سنرفع الستار لنكمل المقال، ففي السابق ذكرنا أننا سنعرض أصل نشأة الكوميديا، ولماذا توجد صورة نمطية في المجتمع العربي بأنه ينبغي على كل مسرحية أن تكون فكاهية أكثر من كونها تراجيديا. مجدداً، الفن رهينة السوق العام. أكثر الناس في الوطن العربي يظنون أن المسرح هو حلبة مصارعة للشتائم والصفعات بين المشاهير، هذا الواقع هو عكس ما شاهدته في أثناء رحلتي لألمانيا ومشاهدتي مسرحية ألمانية مليئة بالجدية، حيث كان من الجماهير من يجهش بالبكاء ومن يتشبث بكل تفاصيل الشخصية، ويجتهد لتحليلها وكأنها شخصية تاريخية حقيقية.
وسبب ذلك أن ثقاقة المشاهد الغربي في أوروبا وأستراليا والأميركتين فيها هذا المفهوم الأدبي الألماني، (Bildung roman) الذي يُترجم بالتنامي الشخصي، وهو مصطلح أكاديمي يُستعمل في سائر أنواع الأدبيات، وأول من أسسه هو عالم الفونولوجيا كارل مورغينستيرن الألماني، الفونولوجيا هي علم الحضارة المكنونة بكلام أفراد المجتمع. مصطلح "بيلدنغ رومان" ينقسم إلى شقين: الأول يعني البناء، والثاني يعني الرواية، فكلمة رومان بمختلف اللغات الجيرمانية واللاتينية بل التركية تعني حكاية، والعالم الفونولوجي الألماني أنشأ هذا المصطلح ليعبر عن نمو الشخصية أخلاقيا وفكريا من خلال الأحداث التي تؤثر في "الكاركتر"، والتي يعبر عنها الممثلون في المسرحية بألفاظهم المكتوبة بالسيناريو، فالظروف التي يقاسيها بطل المسرحية يفترض أنها تنمي شخصيته وتنير عقله، بخلاف ما نحن عليه في المسرح العربي من ركلات وبصق ورقص هيستيري لا معنى له. وأما أصل الكوميديا فيعود لأمها التي لا يتوقعها أحد (الديمقراطية)، نعم الديمقراطية هي أم الكوميديا؛ وليس في ذلك هزل، فالحضارة اليونانية كانت تتخذ موضوع الديمقراطية ميداناً للتصارع الفلسفي لا للتصارع القبلي والطائفي، كما هي الحال عندنا؛ فلذلك أبدعوا فناً مسرحياً ينتقد أيديولوجيا الخصوم المرشحين؛ فمن خلال الكوميديا كان الممثلون يمثلون أنهم عاشوا في فلسفة المرشح "الفلاني"، ومن ثم يُوقعونه في مواقف فكاهية، يُثبتون فيها عجزه عن الخروج منها، والهدف هو التأكيد للمشاهد أن فلسفة المرشح "الفلاني" باطلة وغير صالحة للتطبيق. تنشق كلمة كوميديا إلى شقين باليونانية (كوموس- أوديوس)، بمعنى الأهازيج المبهجة، فالعمل الكوميدي اليوناني الأصلي كان عبارة عن تمثيل موسيقي وجيز ذي طبيعة ساخرة، يوصل إلى المشاهدين غرضا معينا، ويحقن أذهانهم بالأجندة التي يسوقها الكاتب للمسرحية. عتبي على المسرح العربي أن الشخصيات ما عادت تبني هويتها من خلال الأحداث؛ ولا عادت حتى توصل رسالة فكرية! متى سنميز بين السيرك والمسرح؟ وأشكر جمعية النجاة الخيرية التي أنتجت مسرحيات للأطفال تنمي القيم وتحقق كامل مرادي من مقالاتي، مثل مسرحية "الفريج" في ٢٠١٧م، وأدعوها لتصل إلى المسرح الملائم للناضجين لا إلى الأطفال فحسب.
مقالات - اضافات
خيبة المسرح الكويتي والمصري! (2)
29-09-2018