ماذا يمثل لك التكريم الذي حصلت عليه أخيراً في مؤتمر شعر العامية؟

انعقد مؤتمر العامية أواخر أغسطس الماضي، تحت عنوان «العامية بنية مصر»، وكان فرصة طيبة لتبادل الآراء ومناقشة قضايا شعر العامية ومستجداتها وطموحات شعر العامية في فروعه كافة من شعر التفعيلة، وقصيدة النثر العامية، وفنون التربيع، وغيرها من فنون شفاهية. أما التكريم فهو لفتة كريمة من القيمين على المؤتمر، والتكريم عموماً ظاهرة طيبة إذ يشعر المُكرَّم بقيمة ما بذله من جهد ويدفعه ذلك إلى التطوير والتجويد، بالإضافة إلى اكتساب الثقة بالنفس وشعوره بأنه على الطريق الصحيح.

Ad

أصدرت حتى الآن ستة دواوين إلى أي مدى تنامت ملامح تجربتك الشعرية وصولاً إلى أحدث ديوان «بياع الدوم»؟

الدواوين الستة هي: «ألحان ظليلة، والنهر يطهر مجراه» (شعر فصحى)، وثلاثة دواوين في فن المربع الشعري هي: «أول كلامي، وغنّى الفلايكي، والنهار، والأخير ضمنته قصائد من فن الموال الشعبي. أما ديواني الأخير «بياع الدوم» فهو شعر عامي.

لم تطل وقفتي كثيراً عند حدود القصيدة الكلاسيكية، وبدأت أدخل تجربة شعر التفعيلة وما تحمله من تحرر من قيود القافية ومحاولات التجديد الموسيقي في ما اصطلح عليه بـ«الشعر الحر». وكانت هذه المحاولات أكثر نجاحاً من سابقاتها، فبدأت الدوريات الأدبية في العالم العربي ترحب بنشر قصائدي، وحين أصدرت دواوينيّ الفصحى احتفى بها أصحاب الأقلام النقدية كالراحل فؤاد بدوي وجمال الجزيري وعبد الجواد خفاجي.

لماذا اتجهت إلى فنون التربيع العامية؟

أبدعت بالفصحى ولكنني وجدت نفسي منساقاً إلى فنون التربيع العامية التي جذبتني، مثل فن الواو والموال الشعبي، وشجعني الاستقبال الجيد لهذه الفنون في الأوساط الشعبية في جنوب مصر، فكان الجمهور يطلبها مني بعد إلقاء قصائدي الفصحى.

أحدث «بياع الدوم» أصداء جيدة. ما الذي يميزه في رأيك؟

خضت في «بياع الدوم» تجربة قصيدة التفعيلة العامية، وفاز هذا الديوان بالمركز الثالث على مستوى الجمهورية المصرية في المسابقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة. ميَّزت هذه التجربة قصيدة القناع أو القصيدة التي تقول شيئاً وتعني شيئاً آخر في رمزية تشرك المتلقي في العملية الإبداعية واكتشاف مكنونها. كذلك اهتمت نصوص الديوان بالمهمشين من أفراد المجتمع، مثل بائع الدوم والعامل المغترب.

«فن الواو»

«فن الواو»، مّنْ صاحب الفضل في نحْت هذا المصطلح في العصر الحديث، وما دلالاته، ولماذا اخترت هذا الشكل الشعري للكتابة فيه؟

هذا المصطلح ليس قديماً جداً، بل إن بعض الذين لحقت بهم في آخر أيامهم من حفظة هذا الفن وقواليه لم يكن يعنيهم كثيراً المصطلح، وكانوا يستخدمون «الدور» بديلاً عنه. كذلك بعض شعراء الربابة (آلة عزف شعبية) الذين كانوا ينشدون هذه المربعات كانوا يعتبرونها نوعاً من الغناء الشعبي أو الإنشاد. وربما استخدام هذا المصطلح لكثرة حرف العطف (الواو) الذي يستخدمه القوَّال حين يقول عبارته الشهيرة: «وقال الشاعر».

ما الحيل اللغوية التي يعتمد عليها المربع الشعري في قصيدة فن الواو؟

كانت آفة فن الواو في رأي البعض هي تحويله من شفاهي إلى مكتوب، إذ إنه يفقد جمالياته ويكشف ما به من توريات بفعل الكتابة. ورغم محاولاتنا للتغلب على هذه الإشكالية بكتابة صوتيات المفردة ثم فك مكنونها في الهامش، فإن التقنيات الحديثة في التسجيل ومواقع التواصل الاجتماعي حلّت مشكلة الوسيط التقليدي الورقي، ليتمكن المتلقي من إعادة تخليق النص وتأويله، على خلاف الوسيط الورقي الموصوف بالحياد. لذا أصبح المتلقي مع النص الرقمي مشاركاً ومتفاعلاً لا متلقياً فحسب. فالنص التفاعلي الرقمي لبى أحلام المبدعين.

يعبر فن الواو عن حكمة من المأثور الشعبي فحسب أم يتطرق إلى قضايا عصرية؟

في بداياته، كان يميل إلى الحكمة وكان البعض يستخدمه تماماً كالأمثال الشعبية فيقول الشخص في وقت الشدة مثلاً: «ولا بد من يوم معلوم.. تتردد فيه المظالم.. أبيض على كل مظلوم.. أسود على كل ظالم»، كما كانت دروب الفخر والهجاء والمدح والغزل أو ما يسمى بـ«الواو الأخضر» هي السائدة. لكنَّ المعاصرين من شعراء الواو دخلوا به إلى الدروب كافة التي تسلكها قصيدة الشعر العادية. تركنا سطحية التناول والمباشرة والوعظ، وأصبحنا أكثر عناية بالدلالات. ابتعدنا كذلك عن الذاتية ودخلنا إلى آفاق أكثر إنسانية ورحابة.

برز فن الواو في العصر المملوكي نتيجة تراجع اللغة العربية الفصحى. لكن مع مزيد من تدهور الفصحى راهناً هل يُعزز ذلك فرص توهج قصائد الواو أكثر؟

أخشى أن يكون للتراجع الذي تشهده الفصحى راهناً أثر سلبي وليس إيجابياً في فنون الشعر العامي، فثراء اللغة العربية وفنونها لا يتعارض في رأيي مع ازدهار فنون الشعر العامي، بل يعضده لكون الفنون كلاً متكاملاً تزدهر معاً وتضمحل معاً.

البعد الإنساني

القارئ لإبداع الشنهوري يلمس جانباً روحياً في قصائده، إلى أي مدى يسهم ذلك في إثراء شعره؟ يقول في هذا المجال: «لم يعد الشعر الوصفي أو الشكلاني هو المحك، بل إن البعد الإنساني يصنع نصوصاً تعيش وتتجدد وربما لهذا السبب تعيش قصائد أمل دنقل بيننا وكأنها كتبت اليوم. ولذا فإن غلبة الجانب الروحي على النصوص الشعرية أعتبره فعلاً أمراً إيجابياً يبين مدى عمق ثقافة الشاعر وثراء قاموسه الشعري بالمفردات وبدائلها، وهذا يتطلب كداً فكرياً وكدحاً لغوياً وقراءات للمنتج الثقافي قديمه وحديثه».