لم تعرف الكويت الأدب الروائي في الستينيات والسبعينيات إلا في محاولة أو محاولتين، لا ترقى أيهما إلى الشكل الروائي الذي تجسَّد في كثير من الدول العربية، ومصر تحديدا. ربما يعود ذلك إلى محدودية المجتمع الصغير، وعدم تنامي تراكمات تستدعي الاتجاه نحو عمل روائي شديد التعقيد. لكن اسما كويتيا بدأ يلمع من بعيد دون أن تكون الكويت التي ينتمي إليها مناخا لرواياته، لنشأته في الجنوب العراقي، والبصرة تحديدا، وتأثره بالحراك الثقافي اليساري الذي شكَّل بناءه الأدبي، وهو ما جعله ينتمي للبسطاء والمهمَّشين، زاهدا في مناصب لا قيمة لها. كان إسماعيل فهد إسماعيل كاتبا روائيا يحمل مشروعا تبدو ملامحه واضحة، ويحتفي به كُتاب ونقاد عرب يشيدون بأسلوبه الحديث ولغته الشعرية. في مطلع الثمانينيات بدأنا، نحن مجموعة من المهتمين بالكتابة الأدبية في جامعة الكويت، نبحث عن أسماء كُتابنا، لنتعرف على نتاجهم الأدبي، وكان إسماعيل وليلى العثمان من الأسماء التي بدت أليفة ومرحبة بمشروعنا الصغير. كانت تلك المرة الأولى التي ألتقي فيها إسماعيل فهد إسماعيل ورواية "الضفاف الأخرى". لم تربطني به صداقة مباشرة حتى عام ١٩٨٧ حين ذهبت إليه، لأقدِّم له مجموعتي القصصية الأولى (وليمة القمر). كتب على الصفحة الأخيرة جملة واحدة مازلت أتذكرها حتى اليوم "أنت قاص تقف على قدمين ثابتتين، ولا تحتاج تشجيعا مني".
كان ذلك اليوم هو بداية علاقة حميمة بيني وبينه لم تنقطع في حياته، ولن تنقطع بعد رحيله.حين استقر إسماعيل في الكويت لم يكن كاتبا منعزلا، لكنه كان خيمة تظل الجميع تحت رواقها. اجتمع إليه كُتابنا الشباب، ليجدوا قلبه ومكتبه مفتوحين يشجع أي عمل أو جهد إبداعي. وربما كنت أعيب عليه هذا الاحتفاء، ظنا مني أن ذلك يوقف تطور الكاتب الشاب، إلا أنه كان يرى أن الوقت كفيل بأن يتطور. الحقيقة أن إسماعيل فهد إسماعيل لم يجد من وطنه في بداياته الاحتفاء الذي يستحقه، ولم يكن كاتبا محليا في معزل عن هموم أمته. كان كاتبا عربيا بمعنى الكلمة، وامتد همه الأدبي من العراق في بداياته حين كتب "كانت السماء زرقاء" و"الضفاف الأخرى" و"البقعة الداكنة"، وحتى فلسطين في "ملف الحادثة ٦٧"، ولبنان في "الشياح"، ومصر في "النيل يجري شمالا" و"النيل الطعم والرائحة"، وسباعية أيام الغزو العراقي للكويت. في السنوات الأخيرة ركز جهده الأدبي للكتابة حول قضية البدون في عمل مهم هو "في حضرة العنقاء والخل الوفي"، ليتبعه بعمله الذي مات عنه "صندوق أسود آخر"، لإحساسه بأن تلك القضية التي يعانيها كثير من تلامذته ومريديه هي القضية الأولى التي تقض مضجع الجميع. عاش إسماعيل حياته مخلصا ووفيا لهؤلاء الكُتاب الذين جمعهم في مكتبه مؤسسا معهم ملتقى الثلاثاء، معوضا مجموعة منهم عن تجاهل السلطة ومؤسساتها لهم. لا أنكر فيما يخصني فضل الراحل الكبير على تجربتي المتواضعة، وموقفه الداعم دائما في المنابر المحلية والعربية كلما سنحت له الفرصة. كان إسماعيل أباً روحياً ورجل مواقف لم تأخذه المناصب الرسمية، ولم يسعَ إليها. لقد عاش ومات قريبا منا، وسنبقى ما عشنا أوفياء له. كنا نناديه هكذا "إسماعيل"، دون لقب، كان أكبر من الألقاب.له الرحمة، ولروحه السلام، ولأحبابه الصبر الجميل.
توابل - ثقافات
إسماعيل
02-10-2018