حقوق المساهمين وفق أحكام القضاء
لم يكن الحُكم الصادر من محكمة الاستئناف الإدارية والقاضي بتأييد حكم أول درجة حُكماً عابراً، بل حُكم يؤكد في طياته أن المحكمة الإدارية ستبقى دائماً الحصن المنيع أمام القرارات الإدارية المخالفة، إذ نص منطوقه على «إلغاء المادتين رقمي 40 و55 من القرار رقم 16 /2016 بشأن تنظيم العمل التعاوني».في البداية، يجب التعريف بالقرار رقم 16 /2016، وهو القرار الصادر من وزارة الشؤون لتنظيم العمل التعاوني، هذا القرار التنظيمي رآه العديد من المهتمين بالشأن التعاوني والقانوني مليئاً بالمثالب القانونية، ويتعارض صراحة مع بعض مواد الدستور، وعلى ضوء ذلك، قدّم أحد أعضاء مجلس إدارة «القيروان» دعواه الإدارية، ورغم الطعن على الكثير من المواد، فإن المحكمة قررت إلغاء مادتين من القرار المطعون عليه لتعارضهما مع الدستور.فقد قررت إلغاء المادة 40 من القرار المطعون عليه، والتي تنص: «على الجمعيات التعاونية ضرورة الحصول على موافقة الوزارة المسبقة، وكتابية، قبل انتهاء مدة العقد بثلاثة أشهر على الأقل في الحالات التالية:
1 - زيادة القيمة الاستثمارية للفروع المستثمرة من قبل الغير.2 - طلب دعم من المستثمرين للفروع المستثمرة من قبل الغير.3 - إلغاء أو إنهاء أو فسخ عقود الاستثمار للفروع من قبل الغير».وحيث إن هذه المادة وضعت قيداً على الجمعية وأعضاء مجلس الإدارة في حال الرغبة في إلغاء أو إنهاء أو فسخ عقود الاستثمار، متمثلاً في ضرورة حصول الجمعية على موافقة خطية مسبقة من الوزارة قبل اللجوء للقضاء، وهذا ما يخالف المادة 166 من الدستور، الذي كفل للناس حق التقاضي، ويخالف أيضا نص المادة 26 من ذات القرار المطعون عليه، والذي أطلق العنان للجمعية في طرح فروعها للاستثمار دون رقابة فعلية من الوزارة على ذلك سوى بعض الضوابط التي يجب على الجمعية مراعاتها بالنسبة إلى الالتزام بقرارات «البلدية» و»الصحة» واستصدار التراخيص المباشرة للمستثمر لنشاطه فيها، إذ وضعت المادة 40 قيداً على الجمعية في ضرورة الحصول على موافقة كتابية مسبقة لإمكان إجراء الفسخ أو الإلغاء أو الإنهاء، فأضحت تلك المادة قد حجبت عن الجمعية حقها الطبيعي في اتخاذ الإجراءات القانونية في سبيل التخلص من المستثمر في حال مخالفته شروط العقد، وفرضت رقابة مسبقة على حق الجمعية في التخلص، وهذا ما يتعارض مع حقها الدستوري بوصفها شخصية اعتبارية في اللجوء مباشرة للقضاء وطرح المنازعة في ساحاته واقتضاء حقها، الأمر الذي تراه المحكمة جديراً بالإلغاء. أما المادة 55 من القرار الوزاري المطعون عليه، فقد نصت على أنه «لا يجوز الصرف من بند الخدمات الاجتماعية إلا بعد اعتماد المخصص من الجمعية العمومية، وأخذ الموافقات اللازمة حسب الضوابط التي تحددها الإدارة المختصة، ويكون الصرف في حدود النسب التالية: 1 - رحلات العمرة بنسبة 25 في المئة.2 - الأنشطة الترفيهية والترويحية بنسبة 25 في المئة.3 - الأنشطة الثقافية والتعليمية وتكريم الطلبة المتفوقين بنسبة 20 في المئة.4 - تجميل المرافق العامة... والمناسبات الوطنية بنسبة 15 في المئة.5 - دعم المحافظات بـ 5 في المئة».وحيث إن المادة 18 من الدستور تنص على أن «الملكية الخاصة مصونة، فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون، ولا ينزع أحد من ملكه إلا بسبب المنفعة العامة في الأحوال المبينة بالقانون...»، وبالنظر إلى المادة 55، التي نصت على تحصيل نسبة 5 في المئة من أرباح الجمعيات لدعم المحافظات، وكانت الأخيرة- ولا ريب- تعد من أجهزة الدولة التي تنضوي تحت مظلة مجلس الوزراء، وهو المهيمن على كل شؤونها، ولها ميزانية تصرف من الميزانية العامة للدولة، ويعد المحافظ الذي يتولى المحافظة ممثلاً للسلطة التنفيذية فيها، مما يجعلها تصطبغ بالصبغة التنفيذية، وتعد بحق جهازاً تنفيذياً يتوجب على الدولة تمويله من الميزانية العامة للدولة، وكانت الجمعيات التعاونية في الوجه الآخر من قبيل جمعيات النفع العام التي تقوم بإدارة أموال المساهمين، وهي بطبيعتها أموال خاصة لا شأن لها بالأموال العامة وليس لها حرمة الأخيرة، كما أنها كيانات لا تهدف إلى تحقيق الربح بقدر فوضها بالمبادئ التعاونية، وهو ما يستوجب من باب أولى على الجهة الإدارية صون تلك الأموال من الضياع، ومنع الافتئات عليها، ولا يعدو ما نصت عليه المادة السالفة البيان من تخصيص نسبة الدعم للمحافظات إلا وجهاً من ذلك الافتئات من خلال تمويل الأموال الخاصة للأموال العامة لا العكس، وهو الوضع الطبيعي، لا سيما أن المرسوم رقم 265 /2006 بشأن نظام المحافظات قد أناط بالمحافظات تنفيذ سياسة الدولة في المحافظة، وهو ما يعني اضطلاع الدولة بمسؤولياتها نحو تنمية محافظاتها من خلال ما تضعه من خطط للوصول إلى أهدافها، وتستوجب الصرف من الميزانية العامة للدولة بحسبان أن تنفيذ تلك السياسات يقتضي تخصيص مبالغ لا يمكن للجمعيات تمويلها بغية الوصول إلى الهدف، كما أن المادة 55 في نصها على دعم المحافظات لم تحدد سبب الصرف وماهية الأوجه والقنوات التي تصرف فيها تلك المبالغ، وقد خلا النظام الأساسي للجمعيات التعاونية من النص على تلك الأوجه، الأمر الذي يصبح معه النص السالف الذكر قد مس بالأموال الخاصة بغير مقتضى، الأمر الذي تراه المحكمة جديراً بالإلغاء.