لا تصفها مطلقاً بـ«الكاتبة الإيرانية». أولاً، تكره أبنوس شلماني تأنيث الأسماء وتفضل استعمال كلمة «كاتب». ثانياً، صحيح أنها ولدت في طهران، إلا أنها تكتب باللغة الفرنسية. تقول بنبرة عابثة: «لست كاتباً إيرانياً! فباللغة الفرنسية أعدتُ اكتشاف انتمائي الأصلي».

تهوى أبنوس شلماني (41 سنة) بعينيها السوداوين الحادتين وشعرها الأشعث الحيوي الظهور بمظهر شبابي أنيق.

Ad

في كتابها الثاني الذي يشكّل أيضاً روايتها الأولى، Les exilés meurent aussi d’amour («المنفيون يموتون أيضاً من الحب» – دار نشر غراسيه)، تروي قصة عائلة إيرانية شيوعية تنتقل إلى باريس هرباً من نظام الملالي بعد الثورة. تسرد شلماني الأفراح وآلام اقتلاع الجذور بأسلوب يذكرنا بواقعية غارسيا ماركيز الساحرة. فتقودنا شخصياتٌ باروكية وأحياناً وحشية في ملحمة عائلية من دون أي إحجام أو مواربة.

هل هذه سيرة ذاتية خيالية؟ سبق أن روت شلماني في كتابها Khomeiny, Sade et moi («الخميني، الماركيز دو ساد وأنا»- عام 2016) طفولتها الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي وسط الملتحين والسيدات القبيحات اللواتي أرغمنها على ارتداء الحجاب.

كان والداها الملحدان ينتميان إلى الطبقة البرجوازية الإيرانية، وتعرض والدها، وهو محاضر بارز، «للضرب في الجامعة لأنه كان يقرأ غراهام غرين من الأدب اليميني»، حسبما تُخبر. فولّدت لديها هذه التجربة حساسية تجاه الأفكار الحتمية، سواء في السياسة أو الدين. في عام 1985، غادرت العائلة إيران أخيراً حيث أصبح الجو خانقاً. ما زالت شلماني تذكر الصفحات البيضاء التي حجبتها رقابة الملالي في كتاب «الجبل السحري» لتوماس مان.

نسوية فردية تحررية

تضيف شلماني: «قصدَت العائلة كلها الولايات المتحدة، باستثناء أبي الذي اختار فرنسا بسبب فيكتور هوغو». في اليوم الأول، أعطاها والدها كتاب «البؤساء» ومعجماً وقال لها: «هيا بنا!». توضح شلماني، التي تعشق أدب القرن الثامن عشر التحرري: «تشمل المرحلة الأولى بالنسبة إلى مَن يعيش في المنفى تعلم اللغة. شخصياً، أُغرمت بالفرنسية».

في سن المراهقة، كانت شجرة عائلة «روغون-ماكار» تنافس ملصقات مادونا على جدار غرفة شلماني. تقرّ: «كنت أعتقد حتى سن الرابعة عشرة أن زولا امرأة». كذلك عملت الكاتبة، التي تحمل شهادة ماجستير في التاريخ، على الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية بعد الحرب حيث بدت المرأة أكثر تحرراً من النساء في فرنسا.

تنادي شلماني، التي تُعتبر من أنصار النسوية والعلمانية، بنسوية فردية تحررية بعيدة كل البعد عن تحسر متعصبات حركة Me Too وبكائهن وتضامنهن. في يناير الماضي، كانت من بين مئة امرأة وقعن في العالم إلى جانب كاثرين دونوف الرسالة المفتوحة الشهيرة عن «حرية التحرش». صوتت شلماني شخصياً ضد هذه العبارة، إلا أنها أعربت مع ذلك عن تضامنها مع زميلاتها رغم مئات الإهانات والتهديدات التي تلقتها. توضح: «في كتابي السابق الذي صدر عام 2016، حضضت النساء على الكلام والتوجه إلى المحاكم قبل التوجه إلى العالم مع فضيحة واينشتاين. أخشى أن يتحول أداء دور الضحية إلى شعور بالنقص».

تدافع الكاتبة عن حرية المرأة وتهزأ من ابتكارات مثل اللغة التي لا تميّز بين الجنسين. تقول: «في إيران، لا مؤنث أو مذكر. لكن هذا لا يجعلها دولة صديقة للمرأة».

تعرب شلماني أيضاً عن خوفها من جو الرقابة الذي يرخي بظلاله على الابتكار الأدبي: هذا الميل إلى تقييم أعمال الماضي بمقياس مانوي مناضل عصري والخلط بين حياة الكتّاب الشخصية وبين أعمالهم. تشير: «كان ديكنز رجلاً رهيباً تخلى عن زوجته وأولاده، إلا أنه قدّم أدباً إنسانياً. كذلك كانت فيرجينيا وولف من معادي السامية المتشددين. نعم، ثمة كتّاب أوغاد».

بالإضافة إلى ذلك، تأسف شلماني للتجاوب مع الميول الإسلامية لبعض المجموعات النسائية التي تدافع عن حق ارتداء «البوركيني» والحجاب. فقد سبب لها ذلك خيبة أمل كبيرة لدى وصولها إلى باريس في سن الثامنة، حيث قابلت في قطار الأنفاق الأحجبة التي ظنت أنها تركتها في طهران. تؤكد شلماني: «تشكّل فرنسا بالنسبة إلي بلد المرأة. اعتقدتُ أنني سأقابل شبيهات سيمون دو بوفوار عند زاوية كل شارع. يصبح الحجاب خياراً يوم لا يعود هنالك بلد واحد يُعتبر فيه الحجاب إلزامياً».

لما كانت لاجئة سياسية، حصلت على الجنسية الفرنسية في فبراير 2009، في الشهر عينه الذي احتفلت به الثورة الإسلامية بذكراها الثلاثين. تعتبر شلماني نفسها طوعاً «مهاجراً سعيداً». تشعر بأنها فرنسية، فضلاً عن أنها تطهو على ما يبدو طبق بلانكيت لحم العجل بمهارة.

لم تعُد يوماً إلى طهران. وفي كتيب بيع مع دليلها عن الثورة المخصص للماركيز الملحد، ندرك أنها إنسان غير مرحب به هناك. لكنها تتابع باهتمام أخبار وطنها الأم وتقلق حيال مستقبله. تتحسر على العودة إلى الوراء التي تمنح النظام الوقت بعد الضغوط الأميركية: «تصرّف ترامب بغباء كبير. كان الملالي بدؤوا يتراجعون مع الاتفاقات. إلا أن الإيرانيين يظلون شعباً وطنياً في المقام الأول».

وتختم بحسرة: «علينا الانتظار مجدداً عشر سنوات إضافية».