صفعة القرن... ضياع فلسطين من جديد
لن نخوض في تاريخ القضية الفلسطينية، لكن سنخوض في المؤامرة الجديدة عليها، فإدارة الرئيس الأميركي ترامب وحزبه الجمهوري وسيطرة اللوبي الصهيوني الأميركي كلهم يجدونها فرصة تاريخية لحسم مسألة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في هذا الوقت لمصلحة إسرائيل، بوضع خطة سيرفضها الفلسطينيون والعرب، وتنفرد أميركا ترامب بالحل، والتي تسميها "صفعة القرن؟!". وما تسرب عن تلك الخطة من الاعتراف بالاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، أي ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل والقدس عاصمتها، واعتراف فلسطيني عربي بإسرائيل، كل ذلك مقابل بعض الدولارات للفلسطينيين! وإرغامهم على الهجرة الجديدة إلى دول عربية وغيرها، وتضخيم غزة لتكون وطنهم بشرط أن تكون منزوعة السلاح! وقد وجدت الولايات المتحدة الأميركية أن الوقت مناسب جداً لهذه الصفعة (غير العادلة وغير المتوازنة) للأسباب التالية:
أولا: حالة الاضطراب والصراع والضعف التي تعيشها الدول العربية. ثانياً: الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل سياسياً ومالياً وعسكرياً في عهد سيطرة الجمهوريين.ثالثاً: وجود أصوات عربية تقبل بأنصاف وأرباع الحلول، لينتهي الصراع لأنه يؤثر فيها خصوصا الدول العربية القريبة من إسرائيل.رابعاً: التأثير الفلسطيني المحدود والضعيف في المعادلة الإسرائيلية الفلسطينية، حيث يعتبر جزءاً من الضعف العربي العام. خامساً: انشغال العرب حكومات وشعوباً بمشاكلهم الداخلية، وحروبهم الأهلية التي ستستمر لسنوات طويلة في ظل الإرهاب والتطرف. سادساً: ضعف التأييد الدولي لقضية الحق الفلسطيني في هذه المرحلة لانشغالها بقضايا أخرى. سابعاً: ليس لدى العرب قيادة قوية تفرض وجودها على العرب، وتؤثر في السياسة الدولية وتعتبر قضية فلسطين قضية أمن عربي.ثامناً: اختلاط معايير الإرهاب بالكفاح من أجل الحقوق في عصرنا انطلاقاً من منطقة الشرق الأوسط التي عانت ولا تزال من هذا الداء الخطير. إذاً ملامح ضياع قضية فلسطين من جديد قد ظهرت ما لم يحدث متغير تاريخي جديد، فالصفعة الأميركية الإسرائيلية قادمة. الرئيس الأميركي والحزب الجمهوري واللوبي الصهيوني يعملون معاً لدعم إسرائيل، هذا معروف ولا حاجة إلى دليل، بيد أن هناك أمراً يحتاج إلى أن نلقي عليه الضوء هو مسألة المساعدات الأميركية، والتي كانت لأغراض سياسية، فقد قرر الرئيس الأميركي ومستشاروه أن الدول العربية الغنية خصوصاً دول الخليج العربية تقدم المساعدات للدول العربية بدلاً من أميركا. وقد كانت تلك القضية ضمن الحملة الانتخابية، وبدأت إدارته بتطبيقها على مصر وفلسطين ثم العراق وسورية والأردن، كما يبدو أن الإدارة كذلك أدارت ظهرها للعراق وسورية وليبيا واليمن في مقابل أن تتولى دول الخليج عملية التمويل! هذا إضافة إلى ما تكسبه أميركا من انخفاض سعر النفط، وارتقاع سعر الدولار، وتصدير منتجاتها إلى الدول العربية، خصوصا السلاح، وفتح المجال أمام الاستثمارات العربية وغيرها أمام هذه الدول، واستخدامها سياساً عند الضرورة، والاستفادة من عائداتها مشاركة مع دولنا. وقد رأينا ذلك في أموال إيران في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، وإيران ليست المثال الوحيد، فعندما عقد مؤتمر المانحين لسورية، ومن ثم الأردن لم تساهم أميركا في دعم القضايا الإنسانية، وتخلت عن دعم الأونروا في فلسطين، لكن في المقابل لم تتخلَّ عن دعم إسرائيل ماديا وعسكرياً، وهذا الأمر ليس غريباً فقد تولت بريطانيا نشأة إسرائيل وإقامة كيانها، وتولت الولايات المتحدة الأميركية بعد عام 1948م حماية الكيان الصهيوني ودعمه سياسياً ومالياً وعسكرياً حتى اليوم. وإن سلوك هذه السياسة تم عبر عقود عن الزمن، لأن العرب غير قادرين على التأثير لا داخل أميركا ولا خارجها، فاللوبي العربي في أميركا ضعيف ومختلف، ويبدو أنه انعكاس لواقع الدول العربية غير المستقرة، التي تعيش حالة الصراع الإثني والدكتاتورية العسكرية والأيديولوجية في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم. وعليه لا نستغرب سياسة إدارة ترامب اليوم تجاه العرب، ولن تتغير ما لم يتغير فعلهم داخل دولهم وخارجها، وذلك بتحقيق الاستقرار والاستقلال الحقيقي والتنمية والحداثة وبداية الديمقراطية الحقيقية، عندها موقف أميركا سيتغير.