تقوم الحكومة الكويتية باستهداف الكتاب علناً، مع سبق إصرار وترصد، منذ استجواب وزير الإعلام الأسبق الشيخ سعود الناصر الصباح، رحمه الله، وهو آخر وزير إعلام، وفق علمي، حاول أن يقاوم، فتصدَّى له متشددون، وحرَّكوا له استجواباً موضوعه الكتب والسماح بها. ومنذ ذلك الحين صار الكتاب ضحية، لا يوجد مَن يدافع عنه، إلا عشر الربع.

فمنع الكتب في الكويت يتجاوز كونها مسيئة، أو تذكر كلاماً غير مقبول، أو تفتئت على الأعراف والأديان والرموز والعادات والتقاليد، وتخرج بإيحاءات مخلة، لكنه نمط من أنماط إدارة الدولة، بالتخلف. وهو نمط أبدعنا به أيما إبداع، ونستحق عليه جائزة التميز، إن كانت للإدارة بالتخلف جائزة تمنح. ونمط الإدارة بالتخلف غير معني بالمنطق، ولا بالمصلحة، بل يتحرك بالدفع الذاتي، ويخلق مبرراته، ليبرر وجوده.

Ad

معرض الكتاب الكويتي، الذي سيحل علينا قريباً في شهر نوفمبر، يُعد من أوائل معارض الكتب العربية قاطبة، فهو الثالث في الترتيب الزمني، بعد القاهرة وبيروت، ومع الوقت اكتسب سمعة طيبة، من خلال فعالياته وانفتاحه، تضاف إلى رصيد البلد الصغير سمعة ونماءً. فجاء مَن جاء في زمن الغبار الأصفر، وأدرك مفاتيح لعبة الإدارة بالتخلف، فوجه أسهمه لصدر الكتاب، فأصابه في مقتل.

تحاول الجهات المعنية أن تضع منطقاً لمنع الكتاب، فتارة تتكلم عن معايير، وتارة أخرى تتحدث عن لجنة، وتارة تُلقي كل جهة المسؤولية على جهة أخرى، وتارة رابعة عن مصلحة البلاد وأخلاقها، ستر الله عليها. ولو كان للمسألة معايير، لكان بالإمكان نقاشها، ولما زاد عدد الكتب الممنوعة على ٤٠٠٠ كتاب، منها ما هو مسموح به بترجمة، وممنوع بترجمة أخرى، ومنها كُتب تراث، ومنها كُتب تُباع داخل الكويت وتُمنع في معرض الكتاب، ومنها كتب تُمنع حيناً، ويُسمح بها حيناً أخرى.

غالبية أعضاء مجلس الأمة لا يعنيهم الأمر، وربما النصف ضد الكتاب خلقة، لا يعنيهم، ولا يشترونه، ولا يرون فيه إلا الضرر، ولا يخدم مصالحهم الفئوية والدينية والاجتماعية الضيقة.

الطامة الكبرى الأخرى، أن دول الخليج، كلها تقريباً، صارت بها معارض كتب، وهي لا تختلف كثيراً بمنظومة القيم ومقاييس محافظة لما يجب نشره، إلا أنك تجدهم قد "خرجوا" عن الجادة، فصاروا يسمحون بالكتب التي نصنفها نحن على أنها "منحرفة"، وبقينا نحن في العراء نقاتل الانحراف بسيف التخلف المثلوم، صامدين فيه، منكفئين به وعليه، نتباهى بحسن المنقلب، ونحن بعيدون عنه. فنمط الإدارة بالتخلف لا يأبه بما حوله، سعيد به، حاله حال القرود الثلاثة؛ لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، هي فقط قادرة على منع الكتب التي لا يقرأها أحدٌ، ولا يكترث نوابها ولا حكومتها لها، والأهم أن ذلك يحدث في بلد منعوت بالديمقراطية والحرية... كم نحن واهمون!