تعد المشاريع خصوصا الكبرى واحدة من أبرز مشكلات الإدارة العامة في الكويت التي تنفق عليها الدولة مئات الملايين من الدنانير في الغالب دون أن تحقق العائد التنموي أو الخدمي منها، مما يقلل جدواها ويجعلها عبئا على متخذي القرار من جهة التعثر أو التأخير أو حتى زيادة نفقات قيمة هذه المشاريع عبر الأوامر التغييرية.وشهد هذا العام مرحلة جديدة في عملية تعثر المشاريع التي تنفذها الدولة تمثل في اللجوء الى ما يعرف بـ"التشغيل الجزئي"، أي تشغيل مرافق أو عمليات معينة لا تزيد في العادة عن 15 في المئة من إجمالي القدرة المقررة للمشروع، وقد تبين ذلك في 3 مشاريع افتُتحت في الفترة الماضية، وهي مطار الكويت المساند "T4"، ومستشفى جابر، ومدينة الجهراء الطبية، إضافة إلى أحد المشاريع المتأخرة منذ زمن طويل، وهو مشروع مدينة صباح السالم الجامعية "الشدادية"، التي تعود فكرة إنشائها الى بدايات ثمانينيات القرن الماضي!
فمطار الكويت المساند الذي كلف إنشاؤه 55 مليون دينار كويتي وخصص لتشغيل رحلات شركة الخطوط الجوية الكويتية بهدف استيعاب 4.5 ملايين راكب سنويا، افتتح في أغسطس الماضي ليشغل بعدئذ رحلاته الى إمارة دبي فقط قبل أن يبدأ الأسبوع الحالي بتشغيل الرحلات الى جميع دول مجلس التعاون الخليجي، لكنه لايزال قاصرا عن تحقيق الهدف المخصص من إنشائه، وهو تخفيف الضغط عن مطار الكويت الدولي من خلال تحويل جميع رحلات "الكويتية" الى المطار المساند "T4"، في حين أن مستشفى جابر الذي طالت مدة إنشائه وتسلمه عن الموعد المقرر بما لا يقل عن 3 سنوات وبكلفة فاقت 304 ملايين دينار، لا يتعدى هدف وزارة الصحة 15 في المئة من طاقته التشغيلية قبل أن يعلن وزير الصحة هذا الأسبوع أن مستشفى جابر سيبدأ تشغيله خلال أسابيع قليلة، ليغطي فقط منطقة جنوب السرة دون توضيح إن كانت هذه المنطقة ستمثل 15 في المئة من قدرة المشروع أم أقل من ذلك.أما مدينة الجهراء الطبية التي نفذها "الديوان الأميري" بكلفة 364 مليون دينار على أن يتم تشغيلها جزئيا مطلع العام المقبل، فهي دون بيان لنسبة أو مراحل التشغيل رغم أن حفل افتتاحها كان مطلع يوليو الماضي، في حين أن جامعة الشدادية التي تعتبر "عميدة" المشاريع الحكومية من حيث الأقدمية قد أعلنت خطة التشغيل بالانتقال من المواقع الحالية للجامعة الى المدينة الجديدة اعتبارا من العام الجامعي المقبل وفقا لخطط التشغيل الجزئي أيضا مع ترقب "أزمة إدارة في حسم تبعية المبنى الجديد".وقد يقول قائل: ألا تحتاج المشاريع الى تدرج في العمليات لإتمام التشغيل واختبار الفعالية والقدرة على إدارة المرفق؟ وبالتالي فإن التشغيل الجزئي أمر لا ضير فيه.في الحقيقة جميع المشاريع الواردة أعلاه - عدا المدينة الجامعية - لم تتطرق خلال فترة تشييدها الى مسألة التشغيل الجزئي، مما يرجح أنها اعتمدت هذه الخطة كإجراء طارئ بدلا من التشغيل الكلي للمرفق، فضلا عن أن مصداقية أي تشغيل جزئي ترتبط بتحديد موعد زمني لمراحل التشغيل المتكامل للمرفق لا بالإعلان المرتبك للعمليات وفقا لقدرات الإدارة المحدودة، وهذا ما يصعب على إدارات المشاريع المذكورة تحديده، والأهم من ذلك كله أن تكون هذه المشاريع بوابة لتحقيق منفعة اقتصادية أكبر لا في جانبها المالي فقط، بل في توفير فرص العمل أيضا، فمستشفى جابر يتطلب تشغيله بشكل كامل نحو 5 آلاف وظيفة جديدة - فضلا عن نفس هذا العدد لتغطية المرافق الصحية الأخرى - ما بين القطاعين الفني والإداري، معظمها ستكون من العمالة الوافدة لأن مؤسسات التعليم الجامعي والتطبيقي في الكويت لم تستعد لتوفير ولو 10 في المئة من هذا العدد لتشغيل المشروع، مما يشير الى جانب من انحرافات مؤسسات التعليم عن متطلبات سوق العمل الى جانب إن إسناد إدارة المطار المساند لمصلحة شركة كورية يستوجب معرفة مدى قدرتها على تطوير العناصر الوطنية لإدارة هذا المطار وخلال كم سنة، إضافة الى مدى استعدادات إدارة الطيران المدني لعملية تشغيل المطار الجديد الذي تتجاوز كلفة إنشائه 1.3 مليار دينار.أزمة إدارة المرافق لا تقل سوءا عن أزمات التأخر في إنجاز المباني، بل انها تمس الجانب البشري المتعلق بكفاءة الإدارة وتطور العناصر الوظيفية أكثر مما تؤثر عليها مشكلات المقاولات والتشييد، وذلك سيمثل تحديا أكبر مع كل مشروع ضخم بتكلفة مالية عالية بلا إدارة قادرة على التشغيل.
أخبار الأولى
التشغيل «الجزئي» للمشاريع يكشف العجز عن إدارتها
04-10-2018