مشاريع صغيرة... هبشات كبيرة!
أتذكر أنني في مجلس الأمة عام 1992، صغت قانوناً كان الأول في حينه، الذي يتناول المشاريع الصغيرة الخاصة بالشباب، عكفت على صياغته مع قانونيين واقتصاديين في مجلس الأمة، بعد اطلاعي على تجارب الورش الصغيرة في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك تجارب النمور الآسيوية الصاعدة بقوة في بداية تسعينيات القرن الماضي.القانون تبنى حينئذ النواب السابقين علي بوحديدة، وعبدالله النيباري، وعلي البغلي، وأحمد النصار، وأذكر أن الزميل الإعلامي عدنان اللوغاني أشار في برنامج إذاعي إلى القانون كنموذج لتفاعل المجتمع في طرح أفكار للتشريع، لكن الفصل التشريعي لمجلس الأمة انتهى دون أن يقر القانون، وبعد ذلك أخذت الحكومة الفكرة، وأنشأت محفظة بعشرين مليون دينار للمشاريع الصغيرة في البنك الصناعي الكويتي.
المحفظة التي أنشئت لم تحقق نجاحاً كبيراً، بسبب صعوبة إجراءاتها وشروطها، وخوف الشباب من ترك الوظيفة الحكومية المضمونة والدخول في مغامرة تجارية غير معلومة العواقب. طبعاً الفكرة كانت تهدف إلى إيجاد صناعات خفيفة، كما حدث في اليابان وسنغافورة في ثورة "الترانزستور"، وفي ألمانيا عن طريق الموتورات الصغيرة ومعدات قطع الغيار، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية حينئذ كانت تمنح الكويت "كوتة" معينة لتصدير الملابس دون رسوم جمركية، وخاض شباب كويتيون تجربة مشاغل الملابس في الكويت وتصدير إنتاجها إلى الولايات المتحدة، وحقق بعضهم أرباحاً مجزية.وتطورت بعد ذلك فكرة تمويل الحكومة للمشاريع الصغيرة إلى ما وصلت إليه اليوم، لكن المؤسف أنها شوهت بشكل كبير، فلا يمكن أن تكون المشاريع الصغيرة: بقالة، أو مصبغة، أو كراج سيارات، أو مخبز "كب كيك"، فهذه أمور لا تشكل أي إضافة للاقتصاد الوطني أو تطويراً له، ففكرة المشاريع الصغيرة تتمحور حول المهارات الحرفية، والصناعات المساندة والخدمات اللوجستية.أما أن يتم منح بقالة مليوناً ونصف المليون دولار لتمويل نشاطها، أو مصبغة، أو تنسيق زهور، فإن ذلك يعد تبديداً للمال العام، لذا ما ورد في إجابة وزير التجارة خالد الروضان على سؤال برلماني حول مبالغ التمويل للمشاريع الصغيرة كان صدمة، ربما لا يتحملها الوزير الروضان نفسه، فهي مسؤولية من صاغ اللوائح والنظم لصندوق المشاريع الصغيرة، والتي يجب أن تراجع وتتغير لتساند المشاريع الصغيرة المجدية والحرفية والصناعية، ولا تكون مصدراً لتمويل أبناء المتنفذين لتنفيذ مشاريع تنفيعية تافهة.