بدأت رابطة الأدباء الكويتيين موسمها الثقافي الجديد بقضية جماهيرية تهم الجميع على وجه العموم، وتهم خصوصاً شريحة كبيرة من المثقفين، وهي قضية الرقابة ومنع الكتب. الندوة التي كان عنوانها " الرقابة بين آمال المبدع واشتراطات الواقع"، والتي أقيمت في مسرح د. سعاد الصباح، حضرها جمع كبير من الأدباء، والمثقفين. وشارك فيها الوكيل المساعد لقطاع المطبوعات محمد العواش، وعضو مجلس الأمة د. عودة الرويعي، والمحامي د. نواف الياسين، والروائي عبدالله البصيص، وقام بإدارة الجلسة الكاتب فهد القعود.

في استهلال الندوة، قال القعود "إنه لا يغيب على المهتمين بالشأن الثقافي قضية الرقابة على المطبوعات ومنع الكتب والمستمرة منذ مدة ليست بقصيرة، وسط بروز هذه القضية وتناولها في وسائل التواصل الاجتماعي مع اقتراب معرض الكويت الدولي للكتاب"، مضيفاً أنه ليس بجديد أن تكون رابطة الأدباء قريبة من هموم أعضائها، وتطلعات مبدعيها، لكن لا يغيب عنها أن تتخذ تصرفاً مسؤولاً حيال هذا الأمر، وبذلك كانت الندوة التي تجمع وجهات نظر مختلفة، وأصواتاً تنطلق من مسؤولياتها القانونية، والاجتماعية، والثقافية".

Ad

مبادرة

في بداية حديثه، ثمّن البصيص مبادرة وكيل وزارة الإعلام المساعد لحضوره هذه الندوة التي تُناقش قضية الرقابة، ثم تحدث عن الثقافة التي وُضِعت لها تعريفات عديدة ومتشابكة، وهي تعني الانفتاح على مختلف الثقافات والتعرف على الآخر، مؤكداً أن كل الكتب التي منعتها الرقابة يمكن الحصول عليها في لحظات معدودة من خلال الإنترنت، التي تقدم خدمات مبهرة، وقال: "من هذا المنطلق، فإن مسألة المنع لا تقدم بل تؤخر"، مشيراً إلى أن الإبداع قائم على فكرة تلاقح الأفكار بعضها ببعض، ونحن بحاجة إلى أفكار تعارض أفكارنا، ثم إن منع ما يخالفنا يؤدي إلى انحدار المجتمع وهذا ما حدث في إسبانيا من خلال محاكم التفتيش".

وتناول البصيص السلبيات، التي تواجه الكتاب الممنوع ومنها قرصنته، حينما يتبرع أحد المثقفين بتصويره وتوزيعه على الإنترنت، مؤكداً أن المنع غير مجدٍ ولا يحمي المجتمع، فجهاز النقال - مثلاً- الذي يملكه أي شخص يمكن من خلاله الدخول إلى كل ممنوع، موضحاً أن المنع مطلوب لكن وفق آليات محددة، فلا يمكن السماح بتداول الكتب، التي تدعو مثلاً إلى الإلحاد أو الإباحية. وبيّن أن المشكلة ليست في قانون الرقابة 2006 إنما مع آليات تطبيقه، خصوصاً أن الرقيب هو موظف حكومي محاسب، فلو أجاز كتاباً ووجد البعض أن فيه ملاحظات ربما يتعرض للمحاسبة، وأبدى البصيص اندهاشه من الرقيب الذي قد تضطره الظروف إلى قراءة أعداد كبيرة من صفحات الكتب في اليوم مما يجعله يقلب الصفحات بحثاً عن الجمل والعبارات التي تستحق منه أن يصورها ويرى فيها المخالفة المنشودة ثم عرضها على اللجنة.

كما تطرق البصيص إلى قلة أعداد الرقباء في الإعلام، كما أن لهم أعمالهم الأخرى غير الرقابة، واضعاً حلولاً منها زيادة عدد الرقباء وحمايتهم من المساءلة وتفرغهم للعمل في الرقابة، وتحويل الكتب الأدبية إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لمراقبتها أسوة بالكتب الدينية التي تحول إلى وزارة الأوقاف، والسماح للكاتب بالتعرف على أسباب منع كتابه.

من جانبه أوضح د. الياسين أن الرقابة السابقة المعمول بها في الكويت وبعض البلدان العربية غير موجودة في المجتمعات الغربية، فالأصل أن جميع المصنفات مباحة حسب القانون إلى أن يثبت العكس". وأضاف د. الياسين أن قضى 5 سنوات ليحدد المصنف الذي يستحق الحماية، والآخر الذي لا يستحق الحماية، وأعطى الياسين أمثلة حية بأن قانون 2006 لا يتعارف مع القوانين ذات الشأن في مختلف الدول المتقدمة في أميركا وأوروبا، والاتفاقيات والمواثيق الدولية، والقواعد العامة، والإعلام العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن حرية التعبير مباحة ما لم تتعارض مع النظام العام. وهذه النصوص موجودة في المحكمة العليا الأميركية ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها موضع أن الفرق يكمن في العادات المجتمعية العربية التي تختلف عن مثيلتها في المجتمعات الغربية والأميركية.

مطبخ التشريع

أما عضو مجلس الأمة د. الرويعي فدعا في حديثه رابطة الأدباء للمشاركة وعدم ترك المسألة عند المشرع فقط، وشدد على ضرورة النظر إلى أي مجتمع من الداخل وليس من الخارج فقط. وأكد أن الرقابة الذاتية هي الأساس لدى أي مبدع، وأن من المفترض ألّا يهتم بالرقابة، وقال: "رسائل الجاحظ لو عرضت الآن على الرقابة لمنعتها، وقال: "من وجهة نظري كل مصنف يفترض أن يكون مجازاً، شريطة ألا يهدد المجتمع".

من ناحيته، أكد الوكيل العواش أن القانون الخاص بالرقابة 2006 لم تضعه وزارة الإعلام بل خرج من مطبخ التشريع بواقع 22 صوتاً في مجلس الأمة أي بالأغلبية، وقال: "هل نلام بأننا ننفذ القانون... نحن مع حرية الرأي والرأي الآخر"، وأوضح أن هناك نية لزيادة عدد أعضاء اللجنة لاستيعاب النقص الحاصل فيها، وأن هناك دورة لتخريج 40 رقيباً متخصصاً، مرحباً بفكرة مشاركة أعضاء رابطة الأدباء والأكاديميين المتخصصين في قراءة الكتب التي تحتاج إلى رقابة، كاشفاً عن مشروع طموح لتطوير آليات عمل الرقابة.

وأشار العواش إلى أن الإعلام مسؤولة عن تطبيق 3 قوانين هي المطبوعات والمرئي والمسموع والنشر الإلكتروني، وأن الإجازة في وزارة الإعلام هي الأصل لا الاستثناء، مرحباً بالتعامل مع المجتمع المدني لما فيه خدمة للإبداع، كما أشار إلى أنهم في مجال فتح الباب للتظلمات للنظر في الكتب الممنوعة مرة أخرى.

المداخلات

وبدأ د. خليفة الوقيان مداخلته بالإعراب عن اعتقاده بأن القضية ليست قانونية، في أصل التشريع، حتى ندعو الأدباء وغيرهم للإسهام في التشريع، فالقضية فكرية سياسية وهي تراجع تيار فكري معين، وتقدم تيار فكري آخر، وهذا من الجانب الفكري، ومن الجانب السياسي هو خضوع القيادات السياسية إلى الابتزاز.

وأوضح د. الوقيان أن المنع لا يقتصر على كتاب، فهناك عملية تدمير للبنية الثقافية الكويتية المعروفة السائدة منذ قرون، وإحلال بنية فكرية أخرى مكانها، تقوم على الكآبة، والحزن، والغم، والهم، والظلام، وتجنب ما اعتدنا عليه طول القرون الماضية.

ولفت د. الوقيان إلى التشريعات ولاسيما الدستور ومواده من 30 إلى 37 كلها تكفل الحرية، مضيفاً: إذا كان هناك لبس في قراءة النصوص بين حين وآخر، وبين مرحلة وأخرى، فهناك المذكرة التفسيرية تعلق على المواد من 30 إلى 37.

من جانبها، قالت التشكيلية ثريا البقصمي إن الكويت رائدة بين الدول في الحريات والديمقراطية التعبير. وأشارت أنها ككاتبة لم تتعرض لموقف منع من الرقابة، لكنها تعتقد بأنه فعل غير سليم وغير صحي في مجتمع ديمقراطي حر.