مع كل التقدير والاحترام للثلاثة الذين فازوا بالمناصب الرئيسة العراقية العليا: رئاسة الدولة، ورئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان، فإن الواضح، وما بات مؤكداً ومعروفاً، هو أن الفوز في هذه المعركة السياسية جاء إلى جانب إيران، وأن الولايات المتحدة، التي وضعت كل ثقلها في الاتجاه المعاكس، مُنيت بهزيمة "نكراء"، وهذا يثبت أن أميركا؛ إنْ في عهد هذه الإدارة، وإنْ في عهود إدارات سابقة، لا تعرف عن هذه المنطقة في العمق إلا القشور، وأنها تجهل معظم حقائق الأمور عن المكونات الفعلية للشعب العراقي، وأيضاً لكل الشعوب الشرق أوسطية.لقد كانت الخطيئة القاتلة التي ارتكبها الأميركيون منذ عام 2003 فصاعداً؛ إنْ في عهد بوش الثاني، وإن في عهد ذلك الخائب باراك أوباما، وأيضاً إن في هذا العهد المصاب بالارتباك والفوضى، أنهم فتحوا أبواب العراق للإيرانيين على مصاريعها، وأزالوا الحدود بين إيران وبلاد الرافدين، فكان ذلك الاجتياح العسكري والأمني والاقتصادي والمذهبي الذي بقي متواصلاً حتى الآن، والذي بالنتيجة حوَّل هذا البلد العربي إلى محمية إيرانية، وهذا يعترف به كبار المسؤولين العراقيين؛ منهم من الطائفة الشيعية الكريمة، ومنهم من الطائفة السُّنية، وأيضاً منهم من الأشقاء الكرد؛ إنْ من البارزانيين، وإن من جماعة جلال الطالباني، رحمه الله.
لقد اعتقد الأميركيون أن بقاءهم العسكري في العراق كل تلك الفترة الطويلة جعل المناخ الشعبي العراقي مناخهم، أو متعاطفاً معهم على الأقل، لذلك فقد ساد لديهم اعتقاد بأن سفيرهم في بغداد، بالاعتماد على بعض ضباط "سي.آي.أيه" وعلى بعض السماسرة المحليين الذين تحوَّلوا إلى "أغنياء طفرة"، قادر على رسم الخريطة العراقية السياسية كما يشاء، وكما يحلو له، لكن ها قد ثبت أن التغلغل الإيراني في عمق بلاد الرافدين هو المؤثر والفاعل، وهذا ما ثبت في عملية اختيار رؤساء الرئاسات الثلاث الرئيسة، وحيث خسرت أحصنة الرهان التي راهن عليها الأميركيون كلها. والواضح مما حصل في الأيام الأخيرة أن الأميركيين وأتباعهم وسماسرتهم لم يخسروا مجرَّد جولة وفقط، لا بل إنهم خسروا معركة كاملة، مما يعني أن وجودهم في هذه الدولة العربية، وربما بالمنطقة الشرق أوسطية كلها، سيبقى وجود معسكرات معزولة، ووجود سفراء يغلقون على أنفسهم أبواب سفاراتهم، ووجود انتهازيين لا يهمهم إلا السلب والنهب والاتجار بالمحرمات والاستمرار باستغلال هبوط الدولار أو ارتفاعه، مع الحرص على أن يذهب كل ما يجمعونه إلى البنوك الغربية... وهناك معلومات تتحدث عن مليارات قد غادرت وطنها العراق دون رجعة. فماذا يعني هذا؟... يعني أنه على الولايات المتحدة، إذا أرادت أن تبقى في هذه المنطقة الاستراتيجية، وإذا أرادت أن تهزم الروس في هذه المواجهة المحتدمة، أن تُعيد النظر في كل سياساتها الشرق أوسطية، وأن تبادر إلى استبدال أحصنتها التي توالت هزائهما في كل السباقات السابقة واللاحقة، وأن تتعامل مع شعوب وأنظمة الوطن العربي بغير أساليب "المعسكرات" والسراديب المخابراتية، بل بأساليب الشراكة في كل شيء، وليس بأسلوب التابع والمتبوع.
أخر كلام
العراق... جولة كسبتها إيران!
05-10-2018