الفن مرآة السياسة
![د. محمد بن عصّام السبيعي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1527781193350968600/1527781229000/1280x960.jpg)
لكن السؤال الذي يثور هنا مؤداه: هل اكتفى الفن بتبوؤ دور الأداة الموجهة من قبل النظام السياسي أو أن هناك من خصال السياسة العربية ما انسحب على الفن، أي أن الفن قد تمثل شيئا من خصائص النظام العربي؟ الحق أنه بتأمل الإنتاج التلفزيوني في هذا البلد أو في بلدان عربية أخرى فإن مثل هذا من الجلاء بحيث لا ينكر، وسنقتصر هنا على إسقاطين.الأول يأتي انعكاسا لطول حقب حكم الصفة العربية، حتى أن الزمن لا يضحي موضوعا يستلفت احساسا، بل يصبح نسيا. ولذا نجد أن كثيراً من الأعمال تتوزع على حلقات عديدة وتكشف عن إطالة غير مفهومة، وأغرب من ذلك أنها تلقى تجاوبا من قبل جمهور المشاهدين دون إعارة عامل الوقت أي أهمية. أجل غير مفهوم ومثير للغرابة إلا إذا كان الفن مسكوناً أيضا برغبة لا تنطفئ لوضع انتباه المشاهد قيد الأسر لأطول زمن ممكن.الإسقاط الآخر يجسد تقمص فكرة الزعيم الأوحد كما في التاريخ الحديث للدولة العربية. هنا يرصد المراقب فيما يرصد مع تطور الإنتاج التلفزيوني تركز العمل الفني بكل عناصره من مشاهد وممثلين حول شخص، هو البطل بطبيعة الحال. إلا أن هذا البطل يتمتع بجلال من لا يخطئ ولا يهزم، يعلم ويعظ، يسخر ولا يسخر منه. على أن مبعث السخرية هنا أن فناني الكوميديا أو الساخرين قد تقمصوا هذا الإسقاط أكثر من غيرهم. فعوضا عن أن يجعل من ذاته موضوعا ساخرا ومن تصرفاته مظاهر فكاهة، يكيل الكوميدي عبارات الاستهزاء والسخرية بمن حوله دون دور لهؤلاء، تماما كما في السياسة، على فعل المثيل إلا نزرا. أجل يجلس الفكاهي أو المهرج في عمل فني هو لا غير محوره، مجلس حاكم إن لم يكن مستبدا، ليزاول عبر ذلك مشاهد أقرب إلى إذلال من حوله.أجل يتمتع بجلال منقطع النظير إلا من السياسة، أكان ذلك في إطار العمل الفني أو في خارجه، أي في دوائر النقد. فرغم ما يسطره النقاد من إسفاف مزمن في مستوى الفن التلفزيوني وبمشاركة فنانين أمضوا أعمارهم في المضمار، أي لم يعودوا مستجدين، بل ينعتون بالنجوم في سماء الفن، إلا أن النقد يعرف له هنا حدودا. فحين يتطرق الأمر إلى تحديد المسؤولية وراء رداءة الفن ودور النجوم في ذلك، هنا ينقلب النقد تلمسا للأعذار وتذكيرا بمآثر هؤلاء ومشوارهم المديد في الفن، فيذهب النقد في أشد الأحوال مذهب العتب الوديع. أحوال لا تختلف عن مثيلاتها في عالم السياسة.