محمد قمبر: أتجاوز القيم التشكيلية في اللوحة لصنع كيانها الجمالي
• أصدر كتاباً جديداً بعنوان «نقوش على الجدران: رحلة الحياة»
يسعى الفنان التشكيلي محمد قمبر إلى الانعتاق من القيم التشكيلية الثابتة كما يقول، باحثاً عن صيغة جديدة يسم بها لوحاته لتكون بمنزلة كيان خاص تتميز به أعماله.
أصدر قمبر كتاباً جديداً بعنوان «نقوش على الجدران: رحلة الحياة» متضمناً حكايته مع الفرشاة والألوان منذ شغف الطفولة حتى صقل الهواية بالدراسة، ثم تسليط الضوء على أبرز محطاته الفنية والفعاليات التي شارك فيها في الكويت أو خارجها.
أصدر قمبر كتاباً جديداً بعنوان «نقوش على الجدران: رحلة الحياة» متضمناً حكايته مع الفرشاة والألوان منذ شغف الطفولة حتى صقل الهواية بالدراسة، ثم تسليط الضوء على أبرز محطاته الفنية والفعاليات التي شارك فيها في الكويت أو خارجها.
في كتابه «نقوش على الجدران: رحلة الحياة» يعود الفنان التشكيلي محمد قمبر بالزمن إلى الوراء، فيحكي عن شغفه بالرسم منذ الطفولة: «كنا صغاراً نهرب إلى الجدران الموجودة في أحيائنا القديمة، نستقبلها بكل حب فنرسم العناصر والأشكال التي نريدها وتفيض بها مخيلتنا. كنا نعبِّر عنها لإشباع رغباتنا وعشقنا للمواضيع التي كانت موجودة في القصص أو في السينما من شخصيات وعناصر. كانت هذه الجدران كالأم الحنون تستقبلنا بكل حب وعطف، وكنا نعبر بكل تلقائية وعفوية. كانت هذه «الشخبطات» والنقوش والرسومات بخطوطها تتشابك لتروي بعض الجماليات والتلقائية في الرسم وكنا نعيش بحالة رضا عن أنفسنا عندما كنا ننتهي من هذه الرسومات والشخصيات».
الذاكرة والوجدان
عن تأثير هذه الفترة في حياته الفنية لاحقاً، يشير قمبر إلى أنه الآن يرسم لوحات مقتبساً من مرحلة الطفولة في الأفق والعناصر، موضحاً أنه يستعيد ذكرياته عبر هذه الأعمال ويسكب ما استقر في الذاكرة والوجدان إنما بطريقة تناسب التطور الفني الراهن. ويلفت إلى مفاجأة لم يكن يتوقعها، ويقول ضمن هذا السياق: «عندما كنت صغيراً في عام 1950 كنت أرسم وأشخبط على جدار المدرسة الشرقية الابتدائية للبنات وكانت قريبة من منزلنا في منطقة شرق أثناء ذهابي إلى المدرسة الشرقية للبنين. ولم أكن أدرك أن ذات يوم ستتحول المدرسة لاحقاً إلى متحف الفن المعاصر، وأن تحتضن جدرانه أعمالي... نعم هو القدر».
الشحنة الانفعالية
عن طريقة تنفيذه أعماله، يقول: «أهتم كثيراً بالألوان في التعبير نحو مواضيعي واتخذها أساساً للتشكيل، وعن طريق اللون أستطيع التعبير عن الشحنة الانفعالية ومن خلالها يبرز انطباعي بأبعاده الرمزية المتجاورة في الأمكنة المتألقة بالضوء في ذلك الحيز الكبير، وفي بعض اللوحات استخدم الألوان القاتمة التي قد تشير إلى مساحة مفعمة بالانفعالات الفياضة والشجن. وثمة تجارب نحتية بالحديد وتشكيله في مواضيع قريبة إلى اللوحات، فضلاً عن التبادل والانسجام بينهما في الشكل واللون».ويضيف: «الأعمال الفنية بالنسبة إليّ انعكاس لثقافتي وثقافة الإنسان عموماً، ذلك من خلال الممارسات اليومية على آخر الزمن في تاريخ الفنون، وتعكس هذه الممارسات طريقتي في التفكير ولكن بصياغات معاصرة. للوحة تأثير مباشر في تغيير الظروف المحيطة بي، فأعيش من خلالها أياماً وأتأثر بها، واعتمد في تكوين اتجاهي الفني على الحس بطريقة تلقائية وأنثر رموزي بشكل ذاتي واعتمد اعتماداً كلياً على الحس والنظرة الجمالية في المساحة التي أمامي. وعندما يشاهد أي شخص اللوحة يجدها لأول وهلة عبثية، ولكن بعد قدر من التمعن والتأمل يكتشف عالم الحياة المتفجرة الصاخبة من الجمال والسعادة والحزن، ففي اللوحة عناصر الحياة كافة، وغالبية أعمالي لا تخلو من بعض المظاهر الحسية حيث استخدم الألوان في المساحات كافة حتى الإشباع، ولا أقف عند القيم التشكيلية في اللوحة، بل أتجاوز هذا كله لصنع كيانها الجمالي الخاص بها».لحظات الإشراق
حول طريقة معالجة الفكرة التي تلمع في ذهنه عبر لغة تشكيلية، يذكر: «ابتكار جو جمالي يساعدني على مضاعفة شعوري بالسعادة، لا سيما أني أسعى إلى أن أنثر أجواء السعادة مهما ظهرت في بعض أعمالي الكآبة أو التعاسة، فإنني أحاول الانعتاق من القيم التشكيلية الثابتة فكثيراً ما أخرج عنها، وعندما أنفذ الموضوع أجد أن صورة العمل تبرز لي نبتة معينة أو طائراً ضمن العمل. صحيح أنني أخطط لبعض أعمالي، ولكني لا أعدّ مسبقاً لأعمال كثيرة، فعملي الأساسي هو اللوحة التي أنفذها وأحرص على لحظات الإشراق التي تلمع فيها فكرة معينة. لذلك أسارع إلى معالجتها والتعامل معها، لأن الفنان يعيش هذه اللحظة، وهي عابرة، لذا إن فقدها فلن يكون بمقدوره استرجاعها أو حتى تعويضها».رسالة بصرية مؤثرة
يتضمن الإصدار قراءة نقدية للمصور هارفي بينسيس في أعمال محمد قمبر، يقول فيها: «فن قمبر، كما يمكن ملاحظته بسهولة، لا يقتصر على القماش بل يستكشف وسائل فنية أخرى، فهو نابض بالحياة ومتحمس ومثير. كما أنه لا يخشى التعامل مع القضايا الحساسة والكبيرة سواء العواطف الإنسانية أو القضايا الاجتماعية الشائكة أو الحروب، فهو إن رسم الدمار ستجد أنه يترك فسحة للأمل وحتى في اللوحات المأساوية يرسم قمبر رسالة بصرية مؤثرة جداً، لحسن الحظ، عمل قمبر لا يركز على موضوع واحد بل يعبر عن الفرح والجمال في الحياة بطريقة مبسطة، مثلما أعطتني لوحة الغجريات الثلاث التي استخدمها غلافاً لكتابه السابق لما تحمله من الشعور بالفرح والحركة، ما يمنح المتلقي بعداً آخر».أعمال مهنية كثيرة
ولد محمد قمبر عام 1950 بحي شرق، وحصل على بكالوريوس التربية الفنية من مصر، ثم نال درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة واشنطن بالولايات المتحدة، وله أعمال مهنية كثيرة، إذ انخرط في التدريس مدة عقد من الزمن، وكان محاضراً لمادة الرسم والتصوير وتاريخ الفن.أقام مجموعة معارض متنوعة في الكويت وخارجها، إذ نظمت له صالة بوشهري للفنون ثلاثة معارض في الأعوام 1985 و1986 و1994، واستضافت صالة المتحف الوطني معرضاً شخصياً له في عام 1986، كذلك عرض أعماله على فترات متباعدة في صالة الفنون بضاحية عبدالله السالم في الأعوام 1999 و2004 و2010، وكانت قاعة «فا» استضافت أحدث معارضه الشخصية بالكويت في يناير 2014.كذلك عرض أعماله في اسبانيا ويوغوسلافيا واليابان وتركيا وبلجيكا والنمسا والصين وإيطاليا والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية. ومن أشهر أعماله خارج الكويت نصب تذكاري في اسبانيا، وجدارية في أصيلة بالمغرب، ولوحة أخرى في مبنى جامعة الدول العربية، ولوحة في مكتبة الرئيس بوش الأب، وإحدى لوحاته طُبعت على طابع تذكاري في سويسرا 1990.
الأعمال الفنية بالنسبة إليّ انعكاس لثقافتي وثقافة الإنسان عموماً