أصبح الخان الأحمر رمزاً لصمود الفلسطينيين على أرض وطنهم المهددة بالمصادرة، والتطهير العرقي والتهويد، ولم يوفر جيش الاحتلال والمستوطنون الإسرائيليون وسيلة إلا استخدموها لكسر صمود أهل الخان الأحمر. استخدموا القمع الوحشي الذي رأى معظم الناس صوره على شاشاتهم، واستخدموا الحصار، ومنع التجول، والإغلاق ومنع المتضامنين من الوصول، بما في ذلك منع ممثلي وسفراء وقناصل دول لم يتورع الجيش الإسرائيلي عن توجيه الإهانات لهم.
واستخدموا الخنق الاقتصادي، والإغراءات والوعود المخادعة، ثم استخدموا سلاح الإشاعات الكاذبة، لتفتيت روح الصمود والتضامن وفشلوا في كل ذلك. غير أن المستعمرين المستوطنين، بحماية جيشهم، أصروا على الانحدار إلى مستوى غير مسبوق في الانحطاط، باستخدام سلاح جديد وهو إطلاق مياه مجاري مستوطنتهم غير الشرعية كفار أدوميم نحو قرية الخان الأحمر، فأغرقوا جزءاً كبيراً من أراضيها بمياه المجاري التي وصلت إلى حافة البيوت، وصنعوا مكرهة صحية تهدد حياة البشر، والأغنام التي يعتاشون من تربيتها، وتمثل مصدرا لأمراض قد تكون خطيرة كالتهاب الكبد، والدوسنتاريا، وغيرها من الأمراض المعدية.ويمثل كل ذلك بشكل خاص خطرا كبيرا على صحة الأطفال والبيئة المحيطة بهم، وبذلك فإنهم صنعوا كارثة بيئية وصحية ونفسية، لمضايقة أهل الخان الأحمر وإجبارهم على الرحيل، ولكن إلى أين؟ حسب اقتراح حكام إسرائيل إلى بقعة جرداء تتجمع فيها مجاري القدس، وتنعدم فيها سبل الحياة. لم، ولن، يفتّ كل ذلك في عضد أهل الخان الأحمر الذين اشتد صمودهم وتعاظم التضامن معهم، وهم صامدون، ومصممون على البقاء مثلما هم مصممون على الحياة. التقيت يوم الجمعة في الخان الأحمر بعائلة مميزة جاءت من عارة في فلسطين الداخل لمساندة أهل الخان الأحمر، وهي عائلة شقيق الأسير البطل كريم يونس، الذي أصبح إلى جانب نائل البرغوثي عميداً للأسرى في سجون الاحتلال بما تجاوز ستة وثلاثين عاما من الأسر الظالم. وتشرفت بمكالمة هاتفية من المناضل الأسير كريم يونس، الذي أكدت كلماته الحارة أن كل أسير في سجون الاحتلال يتابع معركة الخان الأحمر، وكل معارك المقاومة الشعبية في فلسطين، وهم كأسرى يخوضون بأنفسهم واحدة من أشرف معارك المقاومة. وإن كان الخان الأحمر قد حظي باهتمام إعلامي واسع، فلا بد من الإشارة إلى مواقع باسلة أخرى لا تقل أهمية وعطاءً، مثل كفر قدوم، وكفر نعمة وخربثا وراس كركر، والولجة والخضر، وسوسيا ومسافر يطا، وجبل البابا، وأبو النوار وغيرها الكثير. وجميعها تستحق الاحترام والدعم والتقدير، كما تستحقها مسيرات العودة الباسلة التي تتواصل كل يوم عمليا في كل محافظات غزة، صانعة أسطورة جديدة في عطاء وإبداع الشعب الفلسطيني. لا يمثل انحدار المستوطنين والجيش الذي يحميهم نحو استخدام سلاح المجاري، إلا تعبيرا بائسا ويائسا عن فشل أحلامهم، ولكنه يمثل أيضا تعبيرا دقيقا عن مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه تصرفاتهم. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
انحدار الاحتلال إلى الحضيض
07-10-2018