جمهور الصدر والعلمانيين ورقة عبدالمهدي إلى حكومة خبراء
قبل أن يبدأ رئيس الوزراء العراقي المكلّف عادل عبدالمهدي اتصالاته لتشكيل الحكومة الجديدة، أعلن أكبر الفائزين في انتخابات مايو، مقتدى الصدر، عدم تقديمه أي مرشح من كتلته «سائرون»، وهي تحالف ديني علماني بارز، فاتحاً الطريق أمام السياسي المخضرم، المتحدر من أسرة شيعية مشاركة في نظام الحكم الملكي (1921- 1958)، لاختيار وزراء يتمتعون بخبرة في مجالاتهم، ويمكنهم إقناع الشارع العراقي الزاخر بالاحتجاجات العنيفة بإمكانية حدوث إصلاح عميق في الإدارة والنظام المالي المتهم بالفساد على نطاق واسع.وستواجه حكومة عبدالمهدي وعرابوها الأساسيون، وهم حلفاء مرجعية النجف والتيار المنادي بالإصلاح، تحديات كبرى داخلياً وإقليمياً، لكن أبرز اختبار لها سيكون قدرتها على تهدئة الشارع، وخصوصاً في البصرة، عاصمة الاقتصاد العراقي ومينائه الوحيد، حيث تتواصل الاحتجاجات والاغتيالات للناشطين منذ يوليو الماضي.واعتادت أحزاب العراق تقاسم الوزارات، والدفع في كثير من الأحيان بوجوه تثير غضب الجمهور، لكن حركة احتجاج مدني متحالفة مع تيار الصدر اقتحموا مقر البرلمان والحكومة مرتين عام 2015 وأجبروا الجميع على قبول تعديل وزاري جاء بسبعة من التكنوقراط في الوزارات المهمة، ويطمح المحتجون إلى مواصلة الضغط لتمكين عبدالمهدي من زيادة حصة الخبراء في الوزارات، وإقناع الأحزاب بأن عليها ممارسة نوع من الزهد السياسي، تجنباً لغضب شعبي أكبر.
وأحرق المحتجون في البصرة والنجف ومناطق من بغداد مقرات فصائل مسلحة وأحزاب على مر الأسابيع الماضية، وكان من بين تلك الحوادث إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة، كتطور دراماتيكي في مسار الأحداث. ويقول مراقبون إن الاحتجاجات تمثل اليوم ورقة قوية بيد عبدالمهدي المنحدر من جنوب البلاد، والعراب النجفي الداعم له، ليقيّد النفوذ الإيراني في تشكيل الحكومة، ويخفف من شهية الأحزاب المفتوحة على الوزارات الموصوفة بأنها تدر أموالاً طائلة على حزب الوزير.وبدأ عبدالمهدي اتصالاته بعد إعلان الصدر عدم سماحه لكتلته بطلب حصة في الحكومة، في وقت تفيد مصادر بأنه جرى الطلب من الأحزاب أن تشارك في ترشيح شخصيات تكنوقراط مستقلة، وخصوصاً لوزارات الطاقة والنقل والمالية والبلديات والتعليم العالي والصحة، لصلتها بوضع الخدمات المنهار.ولن يكون الأمر سهلاً مع الأحزاب الكردية والسنية، التي تقول إنها تعرضت إلى تهميش وجرى إضعاف دورها، وهي متمسكة بحصتها من الحكومة، لكن من الممكن إقناع الشيعة بفسح المجال أكثر أمام خبراء يمثلون وجوهاً تنفيذية محبوبة من مناطق الجنوب ذات الأغلبية الشيعية.وأمام رئيس الحكومة مدة شهر تنتهي بمطلع نوفمبر، كي يقدم تشكيلته الوزارية، وذلك قبيل صدور حزمة عقوبات أميركية متوقعة ضد إيران توصف بأنها الأكثر قسوة، والتي ستضغط على العراقيين قليلاً أو كثيراً، وتمثل تحدياً أمام النظام المصرفي المتهالك المتهم بأنه نافذة غسل أموال تستغلها طهران.ويعرف عبدالمهدي بأنه يضع دوماً استقالته في جيب معطفه، وسبق أن تنحى عن منصب نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس الراحل جلال طالباني، ثم وزارة النفط عام 2015 في عهد حيدر العبادي، إثر احتجاجات غاضبة في الشارع على أداء الحكومة، وسبق أن كتب مقالاً وضع فيه شروط قبوله بمنصب رئيس الوزراء، بينها منحه صلاحية اختيار كفاءات تنفيذية، وإبعادها عن المعارك السياسية التي تضيع فرص التنمية، مما جعل خصومه يتوقعون أنه قد يستقيل مرة أخرى في وقت قريب نتيجة ضغوط الأحزاب والشارع، بيد أن الجناح المؤيد للإصلاحات يتوقع أن يمثل وصوله إلى المنصب وخروج حزب الدعوة من الحكم بعد 14 عاماً في السلطة، إضافة إلى وصول برهم صالح إلى موقع رئاسة الجمهورية كسياسي كردي معتدل، فرصة جدية يمكنها أن تنجح إذا حظيت بمزيد من الثقة الإقليمية والدولية التي ساعدت العراق في حربه ضد تنظيم داعش، وفي صناعة توازن أفضل بين نفوذ إيران وباقي الشركاء الدوليين، بحسب تعبير يشيع في الصالونات السياسية ببغداد.