نحو رؤية مختلفة لتطوير مناهج كليات الشريعة
نظم مركز الوجدان الحضاري بوزارة الثقافة والرياضة، ندوة حول مناهج كليات الشريعة وتحديات المستقبل، تحدث فيها الدكتور إبراهيم بن عبدالله الأنصاري، عميد كلية الشريعة، فقدم عرضاً تاريخياً تقييمياً للخطط التطويرية التي مرت بها المناهج بكلية الشريعة بجامعة قطر، بدءاً من الخطة الأولى 1980 إلى السابعة حاليا. ومع تقديره للجهود السابقة، فقد كان المحاضر موفقاً في رؤيته التقييمية لأوجه الخلل في الخطط السابقة، وما واجهتها من تحديات وإكراهات في عالم طابعه التغير السريع، أفاد المحاضر وأجاد، ولا غرو فهو كفاءة علمية، من بيت كريم علماً وديناً وخلقاً، ووالده الشيخ عبدالله الأنصاري، رحمه المولى تعالى، أسهم في خدمة العلم والدين والوطن، وأوصل علم قطر الخفاق إلى أقاصي الأرض، من جزر إندونيسيا شرقا إلى مجاهل إفريقيا غرباً، وذلك قبل الفضائيات ووسائل التواصل الحديثة، كما كان بابه ملاذاً رحباً لذوي الحاجات.وددت حضور الندوة، كوني أحد المشرفين المساهمين في تطوير المناهج خلال فترتي عمادتي للكلية (1994-1990) (2000-2004) إضافة إلى اهتماماتي بتطوير مناهج التعليم الشرعي، كما أن لي تصوراً آخر للتطوير أحببت طرحه. دعوني أولاً، أطرح تساؤلا: لماذا الاهتمام بتطوير التعليم الديني؟ وما أهميته؟
إنني أحد المؤمنين بأن تطوير التعليم الديني وخطابه الدعوي، هو المدخل الضروري لإصلاح الأوضاع العامة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، وضرورة ملحة لعبور الفجوة بين العالمين: العالم الإسلامي والعالم المتقدم، كما عبر عن ذلك إعلان باريس حول تجديد الخطاب الديني، أغسطس 2003، كما أن التجديد والتطوير المستمرين خاصية من خواص ديننا الإسلامي، وأصل من أصوله، فلا إصلاح بدون تغيير وتطوير "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، وتغيير ما بالأنفس إنما يبدأ بتغيير الأفكار، ومراجعة مناهج التعليم الديني وتطوير خطابه، ليواكب المستجدات ويستجيب للحاجات ويشحذ الطاقات البانية للمجتمعات، باعتبارها المغير الأساس لما في العقول والنفوس.ثانياً: ما الذي نريده من خريج مناهج كليات الشريعة؟الملاحظ أن المناهج الشرعية عامة، بما فيها المطورة، تستفرغ جهودها في تخريج المؤهل في مجالات الدعوة والفقه والفتوى والبحث والقضاء الشرعي والتعليم والإعلام والاقتصاد الإسلامي... إلخ، لكنها تغفل هدفاً أبعد وأعمق وأسمى، هو: إعداد خريج متصالح مع نفسه، ومنسجم مع مجتمعه ودولته ونظامها السياسي،لا يعاني توتراً أو انفصاماً أو عزلة عن العالم المعاصر وتحولاته، منفتح على الثقافات الإنسانية والحضارة الحديثة وفتوحاتها العلمية والمعرفية، متقبِّل للآخر المذهبي والديني والحضاري، محصن بقوة الإيمان والمعرفة والثقة بالذات ويقظة الضمير واستنارة الوعي والفكر النقدي العقلاني المحصن من أمراض التطرف والكراهية والتعصب والاستعلاء والإقصاء، باعث على الأمل في صنع مستقبل أفضل لوطنه. المناهج الشرعية، بوضعيتها الراهنة أخفقت في تحقيق 5 أهداف رئيسة: 1- الهدف التحصيني: فشلت المناهج في تعزيز "المناعة الدينية" لشبابنا أمام فيروسات فكر التطرف والكراهية والتعصب. 2- الهدف التنموي: الدين قوة هائلة تشحن طاقات المسلم للبناء والتنمية والإنتاج والابتكار باعتبارها "جهاداً" لكن المناهج الشرعية السائدة لم تفلح في توظيف طاقات خريجيها في ميادين السباق الحضاري. 3- الهدف التوحيدي: فشلت المناهج الشرعية في تحقيق التقارب بين المسلمين بتعزيز المشترك الديني بين المذاهب والفرق الإسلامية، بل زادت المسلمين انقساماً، فادعت كل فرقة أنها (الناجية) الموعودة بالجنة، أصبح التعليم الديني عامل فرقة وتأزيم وشحن طائفي وسياسي. 4- الهدف الدعوي: فشلت المناهج في أهم وظائفها: تقديم صورة حضارية محببة للإسلام إلى العالم المعاصر. 5- الهدف الحقوقي: خريج الشريعة ضعيف في ثقافة حقوق الإنسان، أكثر ميلا إلى التضييق على الحريات بحجة حماية الفضيلة وحراسة العقيدة وصيانة الثوابت والحفاظ على الهوية، يستسهل اتهام الآخرين في معتقداتهم ورميهم بالبدعة والضلالة أو العلمانية والرِّدة. ختاماً: لا نريد مناهج شرعية تخرج سلفياً يضيق بالآخر المذهبي والعقدي، أو صحوياً يستريب بالآخر الحضاري ومثقفيه، ولذلك هي بحاجة إلى تضمينها مقررات في "ثقافة الاختلاف والحوار" و"ثقافة التسامح والاعتذار" و"ثقافة نقد الذات" و"ثقافة التقريب بين المذاهب" و"ثقافة الفرح ومحبة الناس" وأخرى لتصحيح المفاهيم حول "وضعية المرأة في المجتمع المعاصر" و"الجهاد بالمفهوم الحضاري" و"تجديد الخطاب الديني".* كاتب قطري