يبلغ ارتفاع منحوتة «مجتمع» ستة أمتار وهي مصنوعة من مثلثات من الحديد المطليّ تتخللها أنابيب سوداء، وتشكّل أحد أعمال برنارد غانم النموذجيّة التي اعتبرها نقاد كثر إحدى أفضل المنحوتات التي تنتمي إلى «فن الأشكال المفتوحة». تحمل منحوتات غانم في طيّاتها رسائل قويّة ومُعبِّرة، تتناول ظروف الإنسان وتحدياته الحياتية. في عمله الأخير، يستكشف الضغوط المفروضة على الطبقة العاملة التي يقع على كاهلها تحمّل عبء دعم الطبقة الصغيرة الحاكمة والميسورة.
تحتضن قاعدة عمل غانم ثماني مثلّثات تتجه حركتها إلى الأسفل، تمثّل جماعات كادحة ممنوعة من التحرّك بحرية بسبب إطار حديدي يكبّلها. تتّبع جهود هذه الطبقة مساراً تصاعدياً، إذ تتّجه نحو طبقة أعلى من المثلّثات التي تتجه صعوداً وترمز إلى الفئة الحاكمة، أي القادة والسياسيين، الذين ينعمون براحة بال وطمأنينة وحياة خالية من المتاعب. أما الطبقة الوسطى فتغيب، غياباً مدوّياً، عن هذا العمل.
وعي وتحرر
في كلمته في حفلة الافتتاح، أوضح النحات اللبناني برنارد غانم أنّه أراد من خلال هذا العمل الضخم، أن يصوّر الدور المحوريّ الذي تضطلع به الطبقة الوسطى، بصفتها تشكّل صلة وصل بين الطبقتَيْن العليا والدنيا، إضافة إلى عرضه الأثر السلبي الذي تتكبّده الطبقة الأقل حظاً، نتيجة غياب الطبقة الوسطى، والتحذير من أن غياب الطبقة الوسطى يمكن أن يؤدي إلى دمار وفوضى. أضاف: «أسعى عبر هذه المنحوتة إلى نشر الوعي حول الحاجة إلى تحرير الطبقات الدنيا، ومعاملتها بإنسانيّة وإعادة ترميم التوازن في المجتمع، من خلال إعادة بناء الطبقة الوسطى». منحوتة «المجتمع» البالغ ارتفاعها ستة أمتار، هي الثانية التي يقدمها برنارد غانم للمتحف على صعيد المنحوتات الضخمة، وكانت الأولى عبارة عن منحوتة من المعدن الصلب في عنوان «السجين» قدمها فور افتتاح «متحف مقام». المنحوتتان مركّزتان في حديقة المتحف، الخاصة بأعمال النحت.مسيرة وإنجازات
ولد برنارد غانم عام 1963. حاز إجازة في العلوم الإدارية من معهد «بيجييه» (Pigier) في بيروت. يتميّز بقدرته على إنتاج أعمال فنية مُتقنة عبر استخدام مادة الحديد بأشكال وأساليب مختلفة تتراوح بين الرسم في الفضاء بخطوط رشيقة معبرة وبين استعمال ألواح معدنية بأسلوب رمزي. تكشف قطعه، التي تبدو أحياناً ديناميكية في حركتها وأحياناً أخرى أكثر تأمليّة، فهماً عميقاً وواسعاً للمادة وحساً رقيقاً لإمكاناتها التعبيرية، إذ تتمتّع أعماله بقوة جمالية في كل منحى وحيّز. عرض أعماله للمرة الأولى في غاليري «إيبروف دارتيست» وشارك في صالون الخريف في متحف سرسق على مدى خمسة أعوام. أقام معارض فردية في «غاليري أجيال» و«نادي بلازا» في برمانا، وشارك في معارض جماعية في بيروت، وبينالي الشارقة، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة. تعرض أعماله ضمن مجموعات خاصّة، من بينها تلك الخاصة بـ«الليدي واللورد هاتون» و«فاير أند أيرون غاليري»، و«مسرح النحت البريطاني» في المملكة المتحدة، و«متحف الفن الحديث والمعاصر» - MACAM في لبنان.متحف «مقام»
متحف مقام هو جمعية غير ربحية تأسست عام 2013 بهدف إحياء ذاكرة الفنّ في لبنان، وتوثيقها وحمايتها لأجيال اليوم والغد. بالإضافة الى مئات الأعمال الفنية يضمّ «متحف مقام» (متحف الفن الحديث والمعاصر) مكتبة ومحفوظات ثمينة وأكثر من 1500 كتاب عن الفنّ اللبناني و500 ملف عن الفنّانين اللبنانيين ومئة ملف عن صالات العرض القديمة. ينظّم المتحف جولات تثقيفية، وورش عمل إبداعية ومحاضرات وبرامج تعليمية لتلامذة المدارس، ويستضيف كلّ عام معارض استعادية لعمالقة الفن في لبنان، إضافة إلى تنظيم مسابقات ومعارض دورية. تتالف مجموعته الدائمة من 350 منحوتة وتركيبة معاصرة لـ 115 فنّاناً، وقد شاهدها أكثر من 18 ألف زائر منذ افتتاحه.