استراتيجية جديدة لفائدة الليبراليين
هل فازت الشعبوية؟ سيكون من السهل التنبؤ بذلك، خصوصاً في ضوء ما يحدث في قلب أوروبا، يقود إيطاليا الآن، والتي تعد من أول المؤيدين للاندماج الأوروبي، ائتلافا شعبويا بنسبة تأييد بلغت 61٪، في حين تراجعت شعبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتبلغ نسبة 29 في المئة- الأدنى منذ وصوله إلى السلطة– وهو الذي كان يعتبر في يوم من الأيام مضادا للشعبوية.مع ذلك، فإن المعركة بين "حزب العقل" و"حزب العاطفة"- أي بين التقدميين والشعبويين- لم تنته بعد، فهزيمة الشعبوية ما زالت ممكنة، ولكن إذا اعترف خصومها أنهم في حاجة إلى استراتيجية جديدة.يمكن اقتراح خمسة محاور استراتيجية للإصلاح: يكمن المحور الأول في المساءلة. على سبيل المثال، يجب أن تتغلب النخب التي تدافع عن الحفاظ على الديمقراطية وسيادة القانون على الغضب والخوف واليأس الذي أصاب الناخبين منذ الأزمة المالية في 2008-2009، لقد مر عقد من الزمن منذ بداية الركود الكبير، ومع ذلك لم تتم معالجة أسبابه بشكل صحيح.
يعطي الكثير من القادة السياسيين والماليين ورجال الأعمال الانطباع بأن الشيء الوحيد الذي يهم في مجال الاقتصاد هو النمو الكلي، ولكن في عالم يتسم بالعولمة والشفافية، تعد الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء ذات أهمية أكبر، وعندما يكون مشكل عدم المساواة مقترناً بالفساد، يزيد الوضع سوءاً. ولذلك فإن العدالة- المحور الثاني لاستراتيجية سياسية جديدة- مسألة في غاية الأهمية، بدون العدالة الاقتصادية، سيُحمّل الناخبون الحزب الحاكم المسؤولية عن مشاكلهم، وقد أدى هذا المنطق إلى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.يتمثل المحور الثالث في الوحدة، باختصار أنه يجب على التقدميين أن يقدموا بديلاً فعالا للشعبوية المشجعة على الانفصال، ففي أواخر التسعينيات، على سبيل المثال، دعت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية، الحكومات في أوروبا إلى دعم "تحالف الديمقراطيات" والذي من شأنه تعزيز القيم الغربية بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، وقد أعربت العديد من الدول في ذلك الوقت عن حاجتها إلى التزام مماثل بالوحدة. لكن لسوء الحظ، نحن في حاجة أيضاً إلى قيادة عالمية جديدة، ومع تراجع الولايات المتحدة وإيطاليا وخسارة بريطانيا في معركة بريكست، ستقع مسؤوليات بناء التحالف على عاتق البلدان الأخرى، يتمثل أحد الخيارات في ما تسميه مجموعة السبع "نادي الأربع"، فرنسا وألمانيا وكندا واليابان، ومع انتشار الاستبدادية والتوجهات المعادية لليبرالية، يجب أن تتحمل هذه الديمقراطيات الليبرالية عبء تجديد رؤية أولبرايت.رابعاً، يجب أن يتسم خطاب الديمقراطيات بمزيد من الوضوح. على سبيل المثال، كيف يمكن لنادي الأربعة الدفاع عن القيم الليبرالية وتعزيزها؟ لقد أصبحت قضايا الهجرة عالمية، لكن الالتباس السياسي واللغة التكنوقراطية الصعبة غالباً ما تزيد النقاش العام غموضا، فإذا أرادت الليبرالية التغلب على النزعة الشعبوية، يجب أن يكون الناخبون قادرين على فهم ما يقدمه الليبراليون. وأخيراً، تحتاج القوات المناهضة للشعبوية إلى التحلي بالشجاعة، وبدون شجاعة لن تتمكن المساءلة أو العدالة أو الوحدة أو الوضوح من تغيير التيار الشعبوي. على سبيل المثال، ينبغي الثناء على ماكرون لمعارضته السياسة البغيضة التي تبناها نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني أو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، لكن شجاعة ماكرون الحقيقية تكمن في اعتماد سياسات تتطابق مع خطابه. وستكون الهجرة، التي تعتبر حتى الآن القضية الرئيسة في الانتخابات الأوروبية القادمة في مايو، بمثابة نقطة الانطلاق.من كان يتوقع أنه بعد مرور 75 عاما على انهيار الفاشية في إيطاليا، سنحظى بقائد في روما يتصرف مثل موسوليني؟ وأن كراهية الأجانب في ألمانيا ستعود، ولاسيما في شرق البلاد الشيوعي سابقاً؟ ومن كان يتوقع أن اليمين المتطرف سيحصل على الدعم في السويد، في حين تتراجع شعبية اليهود؟كانت لدى المؤرخ البريطاني ألان جون بيرسيفال تايلور فكرة ساخرة عن قدرة الناس على التعلم من أخطائهم، حيث قال ذات مرة "إن التاريخ لا يمكن أن يعلمنا أي شيء لأنه يحتوي على كل شيء، مع استثناء واحد"، "لا ينبغي للمرء أن يغزو روسيا في نهاية الصيف"، ومع ذلك يبدو أن البشرية تتجه نحو البرد القارس.يمكن للقادة الليبراليين اليوم أن يثبتوا أن نظرية تايلور خاطئة، ومن الممكن هزيمة الشعبوية، لكن من أجل الفوز في المناخ السياسي الحالي ستحتاج القوى الديمقراطية إلى تغيير خطابها. * دومينيك مويزي* مستشار في معهد مونتين في باريس، ومؤلف كتاب "الجغرافيا السياسية أم انتصار الخوف".«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»