مئة عام من العجز
يشكل نقص التنسيق عبر الحدود وإنفاذ الاتفاقيات الدولية عقبة كبرى أمام منع الأزمات وإدارتها، ومع ذلك يعيد العالَم إحياء نموذج عتيق للسيادة الوطنية التي تجعل اندلاع الأزمات بمختلف أشكالها أكثر احتمالا.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
يشير هذا إلى فارق جوهري بين الأزمات العالمية في القرن الحادي والعشرين، ولنقل، أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين، بل أي انهيار شهدته أسواق البورصة في الماضي، فبسبب نمو القطاع المالي، يستفيد عدد أكبر من القوى من نقص التنظيم وضعف الإدارة في الأمد القريب، الأمر الذي يزيد من صعوبة منع أزمات اليوم. وما يزيد الأمور تعقيدا أن الأنظمة المتأثرة بأزمات اليوم تمتد إلى ما هو أبعد من صلاحيات أي هيئة تنظيمية واحدة، وهذا يزيد من صعوبة التعامل مع الأزمات، وصعوبة التنبؤ بعواقبها، بما في ذلك تأثيرها على السياسة في الأمد البعيد.وربما تكون الأزمات القادمة- التي أصبحت أكثر ترجيحا بفِعل النزعة القومية المتصاعدة وتفاقم عدم احترام العِلم وصنع السياسات استنادا إلى الحقائق- مالية في الأساس، لكنها قد تشمل أيضا عوالم متنوعة متباينة مثل الهجرة، والتجارة، والفضاء الإلكتروني، والتلوث، وتغير المناخ. في كل من هذه المجالات، تعاني مؤسسات الحوكمة الوطنية والدولية الضعف أو عدم الاكتمال، وهناك قِلة من القوى الفاعلة المستقلة، مثل جماعات المراقبة، التي تطالب بالشفافية والمساءلة.وتزيد هذه الحال من صعوبة منع الأزمات، وبالتالي الاستجابة لها، خصوصا أنها تخلق الفرص للقوى الفاعلة للتلاعب بالنظام والتهرب من المسؤولية، وتسلط أزمة 2008 الضوء بقوة على مدى سوء استجابتنا السريعة للكوارث، وخصوصا تلك التي تتغذى على الإدارة المفتتة. ومن المؤكد، كما يظهر تقرير الحوكمة لعام 2018 الصادر عن كلية هيرتي، أن بعض التحسن حدث بالفعل في الإعداد لإدارة الأزمات، ولكن يجب أن نكون أكثر يقظة في الانتباه إلى الكيفية التي قد تستعصي بها التطورات في نطاق واسع من المجالات- من التمويل إلى التكنولوجيا الرقمية وتغير المناخ- على قدرات الحوكمة والإدارة التي تمتلكها المؤسسات الوطنية والدولية. وينبغي لنا أن ندير سيناريوهات الأزمات وأن نعكف على إعداد خطط الطوارئ في التعامل مع الاضطرابات في كل من هذه المجالات، وأن نتخذ خطوات أقوى لتخفيف المخاطر، بما في ذلك إدارة مستويات الدين، التي تظل إلى اليوم أعلى كثيرا في الاقتصادات المتقدمة مما كانت عليه قبل أزمة 2008.علاوة على ذلك، ينبغي لنا أن نضمن تزويد المؤسسات الدولية بالموارد والمسؤوليات المطلوبة، ومن خلال معاقبة أولئك الذين يتسببون في تفاقم المخاطر جريا وراء مصالحهم الشخصية، فإننا بهذا نعمل على تعزيز شرعية الحوكمة العالمية والمؤسسات التي يفترض أن تديرها.كما هي الحال الآن، يشكل نقص التنسيق عبر الحدود وإنفاذ الاتفاقيات الدولية عقبة كبرى أمام منع الأزمات وإدارتها، ومع ذلك، بعيدا عن معالجة هذا الضعف، يعيد العالَم إحياء نموذج عتيق للسيادة الوطنية التي تجعل اندلاع الأزمات بمختلف أشكالها أكثر احتمالا، وما لم نغير هذا المسار قريبا، فإننا بهذا نعطي عالَم 2118 من الأسباب ما يجعله ينظر إلينا بازدراء.* هيلموت ك. أنهاير* أستاذ علم الاجتماع في كلية هيرتي للإدارة الحكومية في برلين.«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»
مهما بلغت الأزمات من خطورة فسيشعر المؤرخون بعد قرن من الآن على الأرجح بالإحباط واليأس إزاء قِصَر نظرنا