إن ما ينقصنا في قصص الحب فعلاً ثقافة النهايات، وإن القول المأثور "عاشر مَن تعاشر، فلابد من الفراق" قرأناه مذ وعينا الدنيا في الكتب القديمة وعلى الجدران، والتقطناه من أفواه الطاعنين في تجارب الحياة، ولكننا نبدو أبداً كمن لا يصدقه ولا يؤمن بحقيقته، نبتكر السبل والطرق العديدة لنبدأ قصة حب، نلوّن وجه القمر المُطفأ، ننصب للنجوم التي تحاول الفرار شراكاً لتقتات عليها ظلمتنا، نتحايل على الماء لنقنعه بأن يكون لباساً لجفافنا، نخترع شتى أنواع الخدع لغواية درب الحب لمصادقة خطوتنا إليه، لا نمانع من تزوير ما يدل علينا أو يكشف عن جوهرنا الحقيقي، نتفنّن في إبراز كل ما يجمّلنا أو ادعاء وجوده، كل الوسائل مشروعة للوصول إلى غاية واحدة، ألا وهي البدء في كتابة الأحرف الأولى لقصة الحب، ولا أظن أن حبيباً قط فكّر وهو يخطو خطوته الأولى في اتباع قلبه فيما سيؤول إليه شغفه، ولا أين سيرسو به قارب عاطفته، بل إننا في الغالب نتخيّل أننا سنبتدئ سفراً لا نهاية له، وأن الحب سيمنح أحلامنا أجنحة موطنها السماء، لن يسقط ريشها ولن تهوي بنا على الأرض مرة أخرى، وأننا سندخل من باب الحب جنة ستغلق أبوابها خلفنا إلى الأبد، خالدين فيها، لن نُطرد منها مهما ائتلفت شياطين الإنس والجن.وبرغم كثير من الشواهد التي تسخر من إيماننا هذا، والوقائع التي لا تصادق بختمها على بياض ظنوننا، وكل حكايات الحب التي تصيح بنا أن نفيق من وهمنا الزائف، فإننا نبدأ قصص حبنا على يقين بأنها ستكون من إحدى القصص الناجية من النار، مطمئنون إلى أن طريق رحلتنا في اتجاه واحد لا رجعة فيه، نمضي برحلتنا العاطفية لا نحمل في حقائبنا خريطة طريق عودة، ولا في أذهاننا سيناريو فيما لو وصلت الرحلة إلى نهايتها، لأننا في الأصل لم نكن ننوي ذلك، ولم يدر بخلدنا أن ذلك سيحدث يوماً، فإذا ما حدث ذلك حقّا لأي سبب وتحت أي ظرف وقعنا في ورطة مع أنفسنا، تفقدنا القدرة على حُسن التصرف مع مشاعرنا، فحين نُصدم بنهاية غير متوقعة وغير مشتهاة يتغيّر موقفنا ضد الطرف الآخر بين عشيّة وضحاها وبالاتجاه المعاكس، حبيب الأمس يصبح فجأة المطلوب رقم واحد في قائمة كراهيتنا، ولن نستثني الحب ذاته من قائمتنا تلك، نتأزم، نشعر أننا وقعنا في دوامة عاصفة لا تملك فيها قلوبنا القدرة على التوازن، نصبح متطرفين في التعاطي مع نهايات قصصنا العاطفية، وقد نتّخذ مواقف حدّية تشوّه كل ما رسمته يد الحب من مشاعر في لوحة العمر، وقد نسقط في بئر البؤس أمداً طويلاً من الزمن، ونسلّم أرواحنا لأنياب الحزن على طبق من اليأس.
نتقن ربما البداية في الحب، ولكننا لا نعرف كيف نرسم نهايته، لأننا نفتقد ثقافة النهايات في قصص الحب، والوعي بكيفية تصفيتها عندما تسدل سُترها لتحتفظ قلوبنا بما كان في تلك القصص من جمال لتصفو أرواحنا وتكون مهيأة للحب، من جديد!
توابل - ثقافات
ثقافة النهايات!
11-10-2018