على طريق شاق ووعر، تواصل أسعار النفط تقلبها المتواصل. فبعد سلسلة من الارتفاعات القياسية اليومية، بدءا من الثلث الأخير من سبتمبر، أضاف خلالها برميل خام القياس العالمي (مزيج برنت) نحو 9 دولارات، وصولا الى مستوى يتجاوز الـ 86 دولارا في الثالث من الشهر الجاري، تراجع سعر هذا الخام في الاسبوع الحالي نحو 5 دولارات، إذ سجل نحو 81 دولارا، عشية أمس الأول. مجموعة من التقارير والتطورات شكلت ضغوطا لا بأس بها على أسعار النفط، خلال هذا الأسبوع، كان من أهمها تقرير صندوق النقد الدولي، الذي خفض من توقعات النمو الاقتصادي العالمي في العامين الحالي والمقبل بنحو 0.2 بالمئة. وأرجع الصندوق هذا الخفض إلى استنفاد الأثر الايجابي لكل الحوافز التي ترتبت على تخفيضات الضريبة الأميركية، والتحسن الملموس في الطلب على الواردات، وتوقعه بأن تؤدي المواجهة التجارية القائمة بين الولايات المتحدة والصين إلى اضعاف زخم النمو العالمي.
تصحيح مستحق في الأسعاروكان عدد متزايد من مؤسسات الاستثمار الدولية والمحللين النفطيين قد توقع، قبل صدور تقديرات النمو الجديدة، وصول سعر البرميل الى مستوى المئة دولار، بينما ذهب قلة من هؤلاء الى توقعات تشير الى عكس ذلك، أي تراجع الأسعار قبل نهاية العام الحالي. وكان من بين هؤلاء بنك باركليز البريطاني العريق، الذي تزيد خبرته على ثلاثة قرون من الزمن، وهو أحد أشهر البنوك التي تدير أصولا مالية دولية متنوعة على المستوى العالمي، إذ أكد أن «تصحيح مسار أسعار النفط بات أمرا مستحقا ولا مناص منه».ورغم التطورات الداعمة لتماسك الأسعار، خلال الأسبوع الجاري، فإنها لم تجد صدى يحد من قوة الضغوط التي تسببت بها قراءة صندوق النقد الدولي وبنك باركليز وغيره من دعاة التصحيح لحالة سوق النفط العالمي والعوامل المحددة لمسار أسعار النفط الخام. مبررات التماسكومن بين أبرز التطورات الداعمة لهذا التماسك اقتراب موعد الفرض الشامل للعقوبات الاقتصادية على إيران، بعد ثلاثة أسابيع من الآن، وتعطل نحو 40 بالمئة، أي نحو 700 ألف برميل من نفوط خليج المكسيك، وتوقف عمليات التصدير من ميناء لويزيانا النفطي الرئيسي، بسبب إعصار مايكل، وظهور اشارات متكررة على تردد السعودية، أكبر منتجي «أوبك»، في الاستجابة للضغوط الأميركية على «أوبك» بزيادة إنتاج الخام، بسبب مخاوفها المشروعة من عودة ملموسة للفائض في الأسواق، في ظل التراجع المتوقع في مستوى الطلب العالمي على النفط، بسبب الزيادات الأخيرة في أسعار الخام، وبسبب اقتراب موسم الشتاء، الذي تضعف فيه عادة وتيرة الطلب على النفط. الضرورات تبيح المحظوراتوإذا صحت هذه التوقعات، أي عدم توافر بدائل كافية لتعويض الخام الإيراني، فإن الادارة الأميركية، وبسبب تزامن موعد بدء العقوبات الشاملة على إيران مع موعد الانتخابات البرلمانية النصفية في الولايات المتحدة، قد تجد نفسها مضطرة الى اعفاء عدد من الدول أو الشركات من طائلة العقوبات ضد ايران والسماح لها، وإن مؤقتا، بمواصلة استيراد النفط الإيراني.وربما كانت عملية تعويض السحوبات الأميركية من المخزون الاستراتيجي للنفط في الولايات المتحدة، والتي كشفت عنها بيانات معهد البترول الأميركي، يوم أمس الأول، والتي قدرت بنحو 10 ملايين برميل من الخام خلال أسبوع، تعبيراً عن قلق الادارة الأميركية من حاجتها إلى استخدام مكثف للمخزون في شهر نوفمبر المقبل، في حال عدم ضخ كميات اضافية من النفط قادرة على تعويض النفط الإيراني، وربما أي مفاجآت غير سارة في الحالة الفنزويلية أو غير ذلك.وفي ظل كل هذه التوقعات، والتوقعات المضادة، تقف البلدان المنتجة للنفط عند عتبة شهر من البلبلة والاضطراب والقلق، شهر مليء بالمفاجآت التي يبدو أنها باتت قدَر هذه البلدان.* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت
مقالات
وجهة نظر : شهر مرتقب من القلق والاضطراب النفطي
12-10-2018