العراق... والمشكلة الطائفية!
إذا لم تكن هناك استجابة لدعوة، بل وشرط، السيد مقتدى الصدر بعدم تشكيل الحكومة العراقية، التي يحاول تشكيلها الآن عادل عبدالمهدي، وفقاً لأسلوب "المحاصصة الطائفية" فإن هذا البلد ذاهب في النهاية إلى الانشطار والتقسيم لا محالة، لا سمح الله، وإن العراق الذي استمر واحداً وموحداً على مدى سنوات القرن الماضي سيتعمق فيه التفتت والتشرذم، وقد تتطلب إعادته إلى ما كان عليه حروباً ومواجهات مدمرة ولسنوات طويلة.من المعروف أن إيران، التي تسعى إلى استعادة المرحلة الصفوية، وإن بأساليب جديدة، هي الراعية لتشكيل العراق الجديد وفقاً لمبدأ "المحاصصة الطائفية" والمذهبية، وأن "الأشقاء" الكرد بدورهم سعوا وما زالوا يسعون لأن يكرسوا مبدأ أن لهم حصة رئيسية، وإن شكلية، في هذا البلد العربي، مادامت المعادلة الإقليمية وأيضاً الدولية لم تسمح، ولن تسمح، لهم بإقامة دولتهم القومية، التي بقوا يسعون إليها منذ محاولة "مهاباد" عام 1946، في تركيا وإيران، حيث إن الأغلبية الكردية في هذين البلدين.
من حق كرد العراق من حيث المبدأ أن يكون رئيس العراق ورئيس وزرائه وأيضاً رئيس مجلسه النيابي (البرلمان) كردياً، طالما أنهم مواطنون عراقيون، والمفترض أنهم على قدم المساواة مع أشقائهم العرب "شيعة وسنة"، ويجب التذكير هنا بأن خمسة من رؤساء سورية السابقين كانوا أكراداً، وأن رؤساء وزرائهم كانوا أكراداً أيضاً، وهذا بالإضافة إلى ذلك الإنسان الطيب محمود الأيوبي الذي كان بعثياً عريقاً، وكان يحتل موقعاً متقدماً في حزب البعث قبل تسلمه الحكم عام 1963 وبعد ذلك.والمفترض أنه لا ضير في أن يكون الرئيس العراقي شيعياً، ولكن بدون "محاصصة طائفية"، وبعيداً عنها، وأن يكون رئيس الوزراء العراقي، وفي الوقت نفسه، من هذه الطائفة الكريمة طالما أن الجميع عراقيون، ومتساوون في الحقوق والواجبات، وبعيداً عن هذا الوباء المذهبي الذي بات ينخر بالنسيج الوطني في بعض الدول العربية الرئيسية كسورية وبلاد الرافدين... وهنا فإنه بالإمكان إضافة لبنان واليمن إليهما، طالما أن بلاد الأرز بقيت مصابة بهذا المرض السياسي الخبيث منذ العهد العثماني وحتى الآن، وطالما أن اليمن السعيد لم يعد سعيداً بعدما وصل إليه هذا الداء العضال منذ أن بدأ الإيرانيون إنشاء هلالهم المذهبي الذي تمكنوا من تحقيقه للأسف.لقد كانت الاستقطابات في المنطقة العربية كلها، ومن "الخليج الثائر حتى المحيط الهادر"... واحسرتاه، استقطابات سياسية، وكانت الصراعات حزبية، ولعل ما يذكره باقي ما تبقى من أجيال ذلك الوقت أنه كان من العار والعيب والمستغرب أيضاً تصنيف الأشقاء في الوطن الواحد على أساس الطوائف والمذاهب، فقد كان التصنيف على أساس الانتماءات الحزبية والالتزام القومي، وكانت المواجهات بين القوميين والشيوعيين، وبين العروبيين والإخوان المسلمين، على أساس الالتزام القومي، وكان الشعار المرفوع في تلك المراحل الجميلة فعلاً هو "الدين لله والوطن للجميع".