تتحدى أعمال وتصرفات روسيا والصين النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد انضمت الصين إلى روسيا في الشهر الماضي في أكبر تدريبات عسكرية تجريها روسيا منذ الحرب الباردة. ومع انطلاق تلك التدريبات كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتناول الحلوى مع نظيره الصيني شي جين بينغ في فلاديفستوك في مؤشر آخر على التقارب بينهما. وإضافة الى تحسن التعاون العسكري بين البلدين الذي يعزز تعاونهما في المؤسسات الدولية واتفاقهما المتنامي حول الكيفية التي يجب أن يكون عليها النظام العالمي فإن الجانب الأساسي في هذا الشأن يتمثل بأن إضعاف الديمقراطية يمكن أن يسرع في هبوط النفوذ الغربي، وأن يحسن الأهداف الجيوسياسية لروسيا والصين.
وتعتبر روسيا والصين أن الجهود الرامية الى دعم الديمقراطية– وخصوصا جهود الولايات المتحدة– هي محاولات خفية تهدف إلى توسيع النفوذ الأميركي وتقويض نظام الحكم في موسكو وبكين، ومن هذا المنطلق بذلتا جهوداً متواصلة لمواجهة تحسن أجواء الديمقراطية الغربية، وهذه الجهود ليست جديدة على أي حال، لكنها تتغير في المدى والشدة. ومنذ سنة 2014 كانت روسيا بشكل خاص تسعى الى نقل المعركة الى الديمقراطيات الغربية، ونظراً لأن موسكو وبكين تقيسان قوتهما مقابل الولايات المتحدة فإنهما تعتبران في إضعاف الديمقراطية الغربية وسيلة من أجل تحسين ورفع مركزيهما، وعلى سبيل المثال فإن تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية في سنة 2016 كان يهدف– بشكل جزئي على الأقل– الى تلويث الديمقراطية الأميركية، والسماح للكرملين بالقول إن واشنطن لا يحق لها أن تملي على الدول الأخرى كيف تجري انتخاباتها. ومن جهتهم سعى قادة الصين بشكل تدريجي الى إضعاف قواعد الديمقراطية على شكل طريقة تهدف الى تحسين الشرعية الدولية لنموذج حوكمة الرأسمالية اللينينية– الرأسمالية الصينية.
التهديد المتنامي
وعلى الرغم من أن هذه الجهود ترجع الى زمن بعيد فإن عاملين قد أسهما في زيادة الخطر الذي يتهدد الديمقراطية: يتمثل العامل الأول في أن تكتيكات السياسة الخارجية الروسية والصينية اتحدتا في طرق تعاونية جديدة. وتتسم السياسة الخارجية الروسية بالمواجهة فيما استخدمت الصين– حتى الآن– استراتيجية تعمل على إبعاد الخطر، وهي تفضل الاستقرار الذي يفضي الى بناء علاقات اقتصادية ونفوذ. وعلى الرغم من الاختلاف في الأسلوبين، وأنهما غير منسقين فقد أحدثا تأثيرات أقوى على الديمقراطية مما لو تم اتباع أحدهما بمفرده فقط، ثم إن هجوم روسيا على المؤسسات الديمقراطية– بما في ذلك التدخل في الانتخابات– ونشر الفساد وحملات التشويه الإعلامي يسهم في إضعاف التزام بعض اللاعبين إزاء الديمقراطية، ولكن الموديل البديل للنجاح الذي توفره الصين والجانب الأكثر أهمية المتمثل في العوائد التي تتدفق على حكومات مناضلة هي التي تعطي الديمقراطيات الضعيفة الفرصة للانسحاب بعيداً عن الغرب، وبطريقة مماثلة ستكون مشاركة الصين على الأرجح أقل قوة من دون الجهود الروسية الرامية الى إضعاف المؤسسات الديمقراطية والتزامها بهذا المسار. وتعول روسيا والصين أيضاً على المد المتصاعد للقومية وعلى التوجه نحو السيادة من أجل تصوير الدعم الغربي للمؤسسات الديمقراطية على أنه نفوذ أجنبي يتعين مقاومته، وكانت الصين استخدمت هذه الرواية منذ زمن طويل في جنوب شرق آسيا وخصوصا بين الحكومات الاستبدادية مثل حكومة كمبوديا، وكما فعلت روسيا في الشرق الأوسط. واليوم تجد هذه الرسالة أصداء لها في أوروبا، حيث تسعى روسيا الى تضخيم الروايات عن الشعبويين غير الليبراليين والقوى المناوئة للاتحاد الأوروبي بغية تصويرهم على أنهم من الوطنيين المدافعين عن السيادة الوطنية. وعمدت روسيا بصورة نشطة الى تغذية المشاعر الوطنية ضد التكامل في الاتحاد الأوروبي بما في ذلك سعيها الى التدخل في دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) واستقلال كاتالونيا. وتسهم هذه الحملات في تحسين أهداف الكرملين الرامية الى تضخيم الانقسامات الأوروبية وجعل الاتحاد الأوروبي لاعباً أقل تأثيراً.دعم الدكتاتوريات الصديقة
وعمدت روسيا والصين منذ زمن طويل على دعم الأنظمة الدكتاتورية الصديقة عبر عدد من الخطوات التي هدفت الى تعزيز قدرة تلك الأنظمة على البقاء، وكان ذلك جلياً بقدر أكبر من خلال تقديم القروض والاستثمارات لمساعدة الأنظمة المطلقة المحاصرة كما فعلت روسيا في فنزويلا، وكما فعلت الصين في كمبوديا. وتقدم موسكو وبكين مساعدات من دون التزامات أو شروط ملحقة بها، وخصوصا في مجال التمويل والأسلحة، مما يفضي الى تخفيف تأثير الغرب في ميدان حقوق الإنسان وحكم القانون، كما تعمل موسكو وبكين على نقل استراتيجيتهما في مجال البقاء والاستمرار الى القادة الذين يسعون الى تعزيز سيطرتهم الداخلية.من جهة أخرى تشعر روسيا والصين بأن الثورة المدعومة من الغرب تشكل خطراً، وقد ردتا بإقناع الحكومات الأخرى بأخطار المشاركة الغربية وتعليم الطريقة الأفضل للسيطرة على المواطنين والوقوف في وجه التدخل الغربي، وكانت الصين متميزة في هذا المجال حيث قامت الشركات الصينية بتصدير أجهزة التعرف على الوجه وتدريب الحكومات المطلقة على كيفية مراقبة الهواتف وشبكات الإنترنت بصورة فعالة.التغيرات الجيوسياسية
وعلى أي حال فإن التغيرات الجيوسياسية تضخم هذه الجهود نتيجة تعامل روسيا والصين مع عدد أكبر من الدول، ويعني صعود قوة الصين وروسيا توسع شبكاتهما التجارية مع الكثير من الدول كما سبق أن فعلت الولايات المتحدة في أعقاب الحرب الباردة، وخلق فرص أكبر من أجل تشجيع النزعات الاستبدادية، ولكن حتى بعد تقوية الأنظمة المطلقة قد تعمل موسكو وبكين على صعيد دولي من أجل إضعاف الديمقراطيات، وتظهر البحوث أن الصلة المكثفة مع الغرب (عن طريق المساعدات والتجارة وشبكات التواصل الاجتماعي) شجعت الديمقراطية بعد الحرب الباردة، ويهدد ازدياد العلاقات الروسية والصينية الآن بتنامي المد العالمي للأنظمة المطلقة. ويعني التحول في الجوانب الجيوسياسية أيضاً أن روسيا والصين ليستا مضطرتين إلى الانخراط في تحسين الدكتاتورية من أجل إضعاف الديمقراطية، وحتى من دون استراتيجية متعمدة ترمي إلى تصدير نموذجهما من الحوكمة فإن صعود الصين وروسيا يرسل رسالة قوية الى القادة الآخرين عن نجاح نموذجهما والأشياء التي تشكل نظاماً شرعياً. وقد عرض بوتين نموذج حوكمة يسعى الآخرون الى تقليده. وعلى سبيل المثال يبدو أن رئيس وزراء المجر والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشعران باعجاب ازاء موديل بوتين كرجل قوي، وقد تبنيا عناصر من عمله بغية تحسين سيطرتهما في الداخل. ومع تحسين الرئيس الصيني لسلطته الشخصية يبدو النظام الصيني الآن أقرب الى النظام الروسي، وعلى الرغم من وجود اختلافات مهمة يرسل الرئيسان الصيني والروسي رسالة الى القادة الآخرين عن نجاح حكم الرجل القوي.تعزيز المرونة
افترض قادة الغرب منذ زمن طويل جداً أن غياب الثقة بصورة عميقة والمنافسة سيدق وتداً بين روسيا والصين، ولكن هذا التوقع لم يتحقق، وبدلاً من ذلك أصبحت استراتيجية البلدين أكثر قوة بصورة متبادلة حتى إن كانت بصورة غير متعمدة. وكانت النتيجة أن روسيا والصين أسهمتا في تقوية النزعات المطلقة حول العالم من خلال تسهيل ابتعاد القادة عن الديمقراطية، وتمكين الحكام المستبدين الحاليين من البقاء في الحكم. الجهود الرامية الى مواجهة روسيا والصين بصورة مباشرة حول تصرفاتهما المعادية للديمقراطية لا يحتمل أن تفضي الى نتيجة، وربما تسهم في تعميق تعاون البلدين، وعلى أي حال توجد أدوات يستطيع الغرب استخدامها من أجل مواجهة هذا المسار، وإضافة الى تقوية النماذج الإيجابية للحوكمة الديمقراطية يتعين على الولايات المتحدة وشركائها مضاعفة جهود تعزيز المرونة الديمقراطية في الدول الأكثر عرضة للخطر، بما في ذلك دعم تطوير الاستقلال والصحافة الاستقصائية والمجتمع المدني، وهي عوامل قد تضيء النور على النفوذ المطلق كما أن البيئة التنظيمية الأقوى والمجتمع المدني والأحزاب السياسية ووسائل الاعلام المستقلة ستقلل من هجمات القوى المطلقة على المؤسسات الديمقراطية. ثم إن العمل مع حلفاء وشركاء الولايات المتحدة من أجل تمكين المؤسسات الدستورية المحلية للوقوف في وجه التخريب الخارجي للديمقراطية سيكون سلاحاً أكثر فاعلية ضد النفوذ الروسي والصيني.