أمضى الديمقراطيون السنتين الماضيتين وهم يحاولون شق طريق العودة من الضياع السياسي، ويبدو أنهم قد يحققون النجاح.ولكن ماذا سيفعلون بعدئذٍ؟ إذا نجح الحزب في انتزاع السيطرة على مجلس النواب الأميركي من الجمهوريين في انتخابات منتصف الولاية في السادس من نوفمبر، فستبدو هذه الخطوة أشبه بضربة قاضية للجزء الأكبر من أجندة ترامب. كذلك ستمنح دفعاً كبيراً لحقبة من التدقيق العالي في الكونغرس في أعمال الرئيس وإدارته.
بالإضافة إلى ذلك، سيبدأ كل المحللين في الحديث عن احتمال سحب الثقة، باختصار، لا نُغالي حين نقول إن المخاطر التي يواجهها ترامب وإرثه كبيرة جداً، وخصوصاً أن حزب الأقلية يزداد زخماً بانتظام.أخبر ترامب، الذي يخطط لإمضاء أكثر من 40 يوماً على الطريق في حملة دعم للجمهوريين في مرحلة ما قبل انتخابات منتصف الولاية، «بلومبرغ نيوز» في مقابلة في مكتب الرئيس في البيت الأبيض، أن الناس كانوا سيقبلون على التصويت أفواجاً أفواجاً لو كان هو مرشحا، مضيفاً: «السؤال الأهم: هل ينعكس ذلك على مرشحي الحزب الجمهوري؟».عند سؤاله عمن قد يخلف رئيس مجلس النواب الجمهوري المتقاعد بول راين، أقر الرئيس الذي يبدو دوماً واثقاً من نفسه باحتمال الهزيمة. وذكر: «آمل أن نبلغ موضعاً نقلق فيه حيال مَن سنختار لرئاسة مجلس النواب».صحيح أن مجلس الشيوخ يشكّل عقبة أشد، إلا أن المرشحين الديمقراطيين يتحولون إلى تحدٍّ أكبر من المتوقع أمام المقاعد التي يشغلها الجمهوريون في تكساس، وتينيسي، وأريزونا، ونيفادا، في حين بدأ مرشحو الحزب الضعفاء في إنديانا وغرب فرجينيا بتحقيق التقدّم.صحيح أن الجمهوريين يحظون بالأكثرية في هذا المجلس بفارق مقعدين فقط (يسيطرون عليه بـ51 مقعداً مقابل 49)، إلا أن نجاح الديمقراطيين في انتزاع الأكثرية فيه يُعتبر مستبعداً عموماً لأن حزب الأقلية يواجه أولاً إحدى خرائط انتخابات مجلس الشيوخ الأكثر تعقيداً سياسياً في التاريخ. يدافع الديمقراطيون عن 26 مقعداً، مقارنة بتسعة للجمهوريين. فضلاً عن ذلك، يقع عشرة من المقاعد التي يشغلها ديمقراطيون في ولايات فاز بها ترامب قبل سنتين.إذن، على الحزب الديمقراطي الفوز بعدد كبير من الولايات التي دعمت ترامب في الانتخابات الرئاسية. كذلك ينبغي له عموماً الفوز في 28 من 35 سباقاً تُخاض هذه السنة، وفق كايل كونديك، رئيس تحرير Larry Sabato›s Crystal Ball، موقع توقعات الانتخابات التابع لجامعة فرجينيا على شبكة الإنترنت. ويضيف: «هذا رقم كبير جداً. يشكل هذا درباً صعباً إلا أنه ليس مستحيلاً».يذكّر هذا السيناريو بالمعركة في سبيل السيطرة على الكونغرس قبل 12 سنة، أو على الأقل هذا ما يأمله الديمقراطيون. في عام 2006، بعد سنتين من إعادة انتخاب جورج بوش الابن، كانت حظوظ الديمقراطيين بالفوز بمجلس النواب تزداد مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية، لكن مجلس الشيوخ اعتُبر عموماً بعيد المنال.في النهاية، حملت موجة زرقاء الحزب الديمقراطي إلى الفوز بالمجلسين في ضربة قاضية انتخابية وصفها بوش خلال كلمته الشهيرة في اليوم التالي بـ»المدوية».
شرك الانقسام
ستشكّل الأكثرية الديمقراطية في مجلس النواب خطراً يهدد ترامب، لكن الأقل وضوحاً المخاطر السياسية التي تحملها للمعارضة.نالت مسيرة الرئيس السياسية حتى اليوم دعماً يتراوح بين الخفي والصريح من كونغرس خاضع لسيطرة الجمهوريين. صحيح أن ترامب لم يحظَ بعلاقات ودية مع ريان أو نظرائه، غير أن زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل ظل متردداً في قطع كل الروابط مع ترامب علانية.يؤكّد القادة الديمقراطيون في الكونغرس أنهم سيركزون طاقتهم، إذا فازوا بالأكثرية في مجلس النواب، على تشريع نظام رعاية صحية يهدف إلى التقليل من الكلفة وثمن الأدوية، مع طرح مبادرة للإنفاق في مجال البنى التحتية، وتجديد شامل للقوانين الأخلاقية، غير أنهم سيتعرضون لضغط كبير من قاعدتهم بغية إطلاق تحقيق دقيق بشأن إدارة ترامب وربما بدء إجراءات لسحب الثقة حتى.سارع الجمهوريون، الذين ازدادوا جرأة بعد الفوز، إلى خوض معركة علنية عنيفة مع أوباما بسبب رفعه سقف الدين العام، وزعزعة الأسواق، وإلحاق الضرر بدعم الحزب بين الناخبين المستقلين.بعد سنتين، فاز أوباما بولاية ثانية وحصل الديمقراطيون على المزيد من المقاعد في مجلسَي النواب والشيوخ، وقد عاد هذا التقدم في جزء منه إلى رد فعل عنيف تجاه أعضاء حركة «حفلات الشاي».ثمة أيضاً طرح آخر مفاده أن ترامب، الذي أشار مراراً إلى أنه سيسعى إلى إعادة انتخابه، سيواجه درباً أسهل نحو البقاء لثماني سنوات في البيت الأبيض إذا ترشح ضد كونغرس ديمقراطي عدائي، تماماً كما فعل أوباما قبل ست سنوات حين واجه مجلساً خاضعاً لسيطرة الجمهوريين.كما أنه في عام 2010 دفع الحزب الجمهوري نحو اليمين، كذلك قد تدير هذه الحملة الانتخابية الإبرة إلى اليسار بين الديمقراطيين الذين ستواصل قيادتهم في مجلس النواب على الأرجح رئيسة المجلس السابقة نانسي بيلوسي، وهي سياسية من سان فرانسيسكو تنتمي إلى الجناح الليبرالي في الحزب. أما المرشحون التقدميون، بمن فيهم أولئك الذين يدعمهم الاشتراكي المزعوم ومؤجج الحملة الرئاسية عام 2016 بيرني ساندرز، فقد مهدوا لانتصارات غير متوقعة في نيويورك، وماساشوستس، وغيرهما من المناطق هذه السنة. لكن النتيجة قد تكون مجلس شيوخ أكثر انقساماً وأكثرية ديمقراطية وأكثر ميلاً إلى تحدي ترامب بعدائية أو حتى محاولة سحب الثقة منه.أما المدى الذي قد يذهب إليه الديمقراطيون، فيرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمواقف العامة من الرئيس عموماً ومن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الحرب التجارية التي يشنها خصوصاً، فضلاً عن التطورات التي قد يشهدها تحقيق روبرت مولر بشأن التدخل الروسي. سبق أن فاز فريق المحقق الخاص هذا بإدانات لبول مانافورت، رئيس حملة ترامب السابق، ومايكل كوهين، محامي الرئيس الشخصي منذ زمن طويل، علماً أنهما يتعاونان كلاهما اليوم مع المحققين.حتى اليوم، لم يُعتبر تحقيق مولر مسألة لها تأثير كبير في التصويت بالنسبة إلى الأميركيين، لكن الوضع قد يتبدل إذا تبين أن ترامب متورط شخصياً، إلا أن الرئيس من جهته واثق بأنه سيتفادى توبيخ الكونغرس الشديد، بغض النظر عمن يسيطر على الكابيتول هيل في شهر يناير. أوضح ترامب في المقابلة التي عقدت معه: «لا أعتقد أنهم يستطيعون سحب الثقة من إنسان يقدّم عملاً جيداً».