مع تسارع وتيرة الأحداث السياسية في بغداد، بعد شلل استمر 4 أشهر، وجد رئيس الوزراء العراقي المكلف عادل عبدالمهدي نفسه اليوم أمام امتحان صعب لتشكيل حكومته المقبلة، بين دعوات لاختيار وزراء تكنوقراط وأخرى رافضة لإلغاء المحاصصة الحزبية.

وبعد تعثرات كبيرة وكثيرة في تشكيل تحالفات ما بعد الانتخابات التشريعية، التي شهدها العراق في مايو الماضي، أثمرت اتفاقات سياسية فجائية عن انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان، ثم انتخاب برهم صالح رئيسا للجمهورية، وتكليف عادل عبدالمهدي في زمن قياسي بتشكيل الحكومة، في خطوة كانت تبدو قبل ساعات من تلك الليلة شبه مستحيلة.

Ad

وبدأ عبدالمهدي مشوار تأليف الحكومة بإطلاق موقع إلكتروني مكن العراقيين لمدة يومين من تقديم طلبات ترشيح لمنصب وزير، في خطوة غير مسبوقة وغير مألوفة في العراق.

في المقلب الآخر، تسعى الكتل السياسية الكبيرة في البرلمان، إلى تسمية مرشحين تابعين لها، لكنها تقدمهم على أنهم مستقلون.

ويقول المتحدث باسم ائتلاف «الفتح»، الذي يضم قياديين من فصائل الحشد الشعبي، النائب أحمد الأسدي: «كل الأحزاب تتعامل بالعقلية نفسها، حزب سين لديه سبعة مقاعد أو ثمانية، ولديه نواب، وعنده وزارة سيفعل ما في وسعه للإبقاء عليها، لأنه يعتبرها استحقاقا انتخابيا».

لكن في المقابل، يرى الأسدي أن «توزيع الحقائب الوزارية سيكون مختلفا هذه المرة»، لافتا إلى أن المحاصصة ستكون وفق التحالفات السياسية وليس على أساس حصص المكونات، من الشيعة والسنة والأكراد.

ولهذا، يعتبر المحلل السياسي هشام العقابي أن عبدالمهدي «أمام معوق كبير ومهمة صعبة»، إذ إن الكتل السياسية «تبدو في الظاهر متفقة، لكن في الحوارات الداخلية الجميع يريد الحصول على استحقاقاته».

وأشار رئيس الوزراء المكلف في مناسبات عدة إلى أن التجارب السابقة تؤكد أنه لا أحد يبقى مستقلا إذا رشحه حزب ما، وعليه، فإنه ماض بخطة التوزير خارج الإطار الحزبي.

ويتماشى هذا الخطاب تقريباً مع ما يدعو إليه الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي حل ائتلافه أولا في الانتخابات التشريعية.

ويصر الصدر على حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة الحزبية التي تعتبر عرفا في العراق. وقال في تغريدة الأسبوع الماضي: «إننا إذ منعنا الترشيح للوزارات إنما لأجل أن تكون بيد رئيس الوزراء، وليس هبة للكتل والأحزاب أو أن تكون عرضة للمحاصصة، بل لابد أن تكون بيد التكنوقراط المستقل، وإلا كان لنا موقف». وهو نفسه من دعا إلى فتح باب الترشيح العام لذوي الاختصاص والكفاءات، لكن رغم هذه المعارضة والنبرة التحذيرية من الصدر، يشير مسؤول كبير مطلع على المفاوضات لـ»فرانس برس»، طالبا عدم كشف هويته، إلى أنه «من المستحيل أن تطرح الكتل السياسية مرشحين من خارجها لمناصب وزارية».

ويرجح أن «النسبة الأعلى من أسماء الوزراء المطروحين في الحكومة الجديدة ستكون بطريقة المفاجأة، كما حصل بالرئاسات الثلاث».

ويؤكد المسؤول نفسه أن الكتل الفائزة في الانتخابات ستقدم أربعة مرشحين لكل وزارة، ينتخب منها رئيس الوزراء المكلف الشخص الذي يراه مناسبا.

ويقول المسؤول نفسه لـ»فرانس برس» إن قرار تسمية عبدالمهدي جاء بعد موافقة المرجعية الشيعية العليا عليه، رغم أنه لا يوافي الشروط المطروحة التي أكدتها المرجعية نفسها، وخصوصا فيما يتعلق بعدم إشراك مسؤولين سبق أن شاركوا في السلطة خلال السنوات السابقة. وبناء على ذلك، يرى مراقبون للمشهد السياسي أن ذلك يجعل من عبدالمهدي «في دائرة المراقبة إذ انه كان الأنسب من بين المطروحين ولكن ليس المنشود».

ومن هذا المنطلق، يلفت المحلل السياسي هشام الهاشمي إلى أن عبدالمهدي «سيسعى إلى اتباع خطوات المناورة والصمت السياسي». ولطالما كانت المحاصصة في العراق مبنية على غض النظر عن أخطاء الحلفاء الأقوياء في السلطة، حتى وإن كان ذلك ينعكس سلبا على صورة رئيس الحكومة، حفاظا على الاستمرارية وعدم الانقضاض عليه وإقصائه من المنصب. ويؤكد الهاشمي أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي مثلا كانت لديه «استراتيجية عدم إغضاب الشركاء الأقوياء في السلطة»، وهو سبب نجاحه، وعليه لا يمكن لخلفه أن «يلعب بعش النسر».