كيف يساعد ترامب بكين على الفوز في بحر الصين الجنوبي؟
![واشنطن بوست](https://www.aljarida.com/uploads/authors/862_1719164326.jpg)
من الضروري أن تواجه الولايات المتحدة واقعاً مهماً: لم يعد غرب المحيط الهادئ بحيرة تسيطر عليها البحرية الأميركية بدون أي منازع، كما فعلت طوال عقود بعد الحرب العالمية الثانية، فعودة الصين إلى مكانتها كقوة عظمى تولّد وضعاً أكثر تعقيداً متعدد الأقطاب، لذلك ينبغي للولايات المتحدة أن تمنح القوات الجوية والبحرية الصينية بعض المجال في منطقة المحيط الهادئ الهندية، لكن السؤال الذي ينشأ: ما مقدار هذا المجال؟ تذكروا أن حليفَي الولايات المتحدة الرئيسين، اللذين يحدان بحر الصين الجنوبي، فيتنام والفلبين، لا خيار أمامهما سوى مجاراة الصين، تلك الدولة الأكبر مساحةً، المهيمنة اقتصادياً، والأقرب إليهما. تحتاج هاتان الدولتان إلى الولايات المتحدة كوسيلة لموازنة القوى ضد الصين لا كعدو واضح لها، وتدركان أن الولايات المتحدة اختارت أن يكون لها وجود عسكري قوي في المنطقة، مما يعني أن هذا الوجود من المتقلبات السياسية، وفي المقابل تُعتبر الصين المحور المنظم المركزي في المنطقة.ولّد ترامب في عقول حلفائنا الآسيويين مقداراً من عدم اليقين يفوق ما رأيناه مع كل القادة الأميركيين السابقين في الأزمنة العصرية، وقد يدفعهم هذا إلى عقد تفاهمات منفصلة مع الصين، لكن هذه عملية خطيرة قلما تعترف بها الدول، ونادراً ما تحتل الصفحات الأولى، ورغم ذلك سنستيقظ ذات يوم وندرك أن آسيا تبدلت على نحو لا عودة عنه. لا شك أن سياسات ترامب التجارية تقوّض الاستراتيجية الأمنية التي يطبقها وزير الدفاع جيم ماتيس في بحر الصين الجنوبي، لا تصدقوا مطلقاً أن الولايات المتحدة تستطيع استخدام التجارة كوسيلة ضغط على الصين في بحر الصين الجنوبي، حيث تملك بكين استراتيجية كبرى راسخة طويلة الأمد مقابل نزوات ترامب المتقلبة.إذا لم ترد الولايات المتحدة حرباً فعلية في بحر الصين الجنوبي، يبقى دفاعها الوحيد ضد سياسة التعديات التدريجية، التي تتبعها الصين، نظام الولايات المتحدة للتجارة الحرة وبناء التحالفات الديمقراطية الذي يعزز مكانتها العسكرية ويتصدى لنظام الصين الاستعماري. لا تقتصر القوة على العسكري أو الاقتصادي، بل تشمل الأخلاقي أيضاً، ولا أقصد بالأخلاقي هنا الإنساني والمعنوي. أشير إلى أمر أكثر صعوبة: مصداقية ما نعلنه كي يتمكن الحلفاء من الاعتماد علينا، بهذه الطريقة، تستطيع الدول التي تحد بحر الصين الجنوبي، مثل فيتنام والفلبين (إذا لم نقل تايوان وكوريا الجنوبية)، أن ترى أن من مصلحتها أن تظل بعيدة عن الصين.باختصار، ثمة تناقض مباشر بين قومية ترامب الاقتصادية العدائية والتزام إدارته بالدفاع عن بحر الصين الجنوبي، فلا يشكّل هذا البحر مياهاً إقليمية أميركية، إنما مياه الصين الإقليمية، ولا تزال الجغرافيا مهمة، وبما أن الولايات المتحدة بعيدة جداً، يبقى أملها الوحيد تقديم رؤية إقليمية ملهمة ترسّخ رؤيتها العسكرية.* روبرت كابلان* «واشنطن بوست»