ترامب والنازية الاقتصادية!
السياسة العدائية من جهة، والحمائية من جهة أخرى، ضد الخصوم والحلفاء قد تجني لترامب بضعة مليارات من الدولارات على المدى القريب، ولكن دول العالم خصوصاً الكبرى منها كأوروبا والصين وروسيا واليابان سرعان ما ستكتشف مدى خسارتها في حالة الاستمرار في الخنوع أو المهادنة.
منذ حملته الانتخابية، مروراً بفترة رئاسته، وانتهاءً بتفاؤله بالتجديد له لولاية ثانية من الآن يستخدم دونالد ترامب الأيديولوجية السياسية نفسها والممارسات الفعلية على الأرض التي طبقها الزعيم النازي أدولف هتلر في ألمانيا في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكن من خلال نسخة اقتصادية.وكما كانت البيئة الحاضنة في أوروبا مرتعاً لبروز الشعبوية العنصرية التي أتت بهتلر إلى سدة الحكم فإن عقيدة اليمين المتطرف رجحت كفة ترامب في السباق الرئاسي، وتماماً مثل ما قال هتلر "ألمانيا أولاً" يردد ترامب شعار "أميركا أولاً"، وكما مكث هتلر على كرسي الحكم قد يستمر ترامب في البيت الأبيض للمدة نفسها إذا أعيد انتخابه.
من جهة ثانية، تربعت ألمانيا على عرش القوة العسكرية رغم وجود قوى مساوية لها حربياً كبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة، لكن هتلر بدأ بالهجوم على الدول الصغيرة مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا وابتلعهما بلمح البصر في مؤشر على قوته الضاربة، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ الدول الكبيرة موقف المتفرج بل مباركة احتلال الكيانات الصغيرة فيما يعرف بأعراض ميونخ، وهذا الخوف الأوروبي شجع الزعيم النازي على احتلال قارة أوروبا برمتها، ولم يكن بالإمكان وبعد فوات الأوان إلا أن تتحد الدول الأعداء مثل روسيا وأميركا وما تبقى من فتات الجيوش الأوروبية لوقف الرجل وإنهاء حقبة من الدكتاتورية العالمية، كانت كلفتها الدمار الشامل لأوروبا ونحو مليار من البشر ما بين قتيل أو جريح أو مفقود.الرئيس الأميركي يمارس هذا الدور اقتصادياً، عبر الابتزاز السياسي والتهديد العسكري، وقد بدأ ببعض استعراضات القوة المحدودة من ناحية، واستهل حربه الاقتصادية على الدول الأصغر مثل كوريا الشمالية ثم المكسيك ثم إيران فانصاع له العالم، الأمر الذي شجعه على توجيه سلاحه الاقتصادي نحو حلفائه أيضاً سواءً في اليابان أو أوروبا أو الخليج، مستغلاً مقولة إن أصدقاء الولايات المتحدة لن يصمدوا بدونه لبضعة أيام، وأخيراً أشعل حرباً تجارية مع روسيا والصين لخلق أعداء جدد كفزاعة من أجل هدف واحد معلن، وهو كسب المليارات تلو المليارات تلو المليارات، وشعار يواجه بالتهليل والتصفيق والتأييد فقط داخل الحدود الأميركية.السياسة العدائية من جهة، والحمائية من جهة أخرى، ضد الخصوم والحلفاء قد تجني لترامب بضعة مليارات من الدولارات على المدى القريب، ولكن دول العالم وخصوصاً الكبرى منها كأوروبا والصين وروسيا واليابان سرعان ما ستكتشف مدى خسارتها في حالة الاستمرار في الخنوع أو المهادنة، والحمائية المتقابلة أو الانتقامية بالتأكيد ستؤدي إلى إرباك المنظومة الاقتصادية العالمية التي تعتبر الشريان الحيوي للدولار، وفي حالة انهيار الدولار فإن المتضرر الأكبر تكون الولايات المتحدة نفسها، وأمام تضعضع الاقتصاد الأميركي ستتجرأ الدول المنافسة والراغبة في فرض نظام عالمي جديد على القطب الأميركي، الذي قد يختار إما الانحسار للداخل وإما تفجير الوضع الدولي تحت شعار عليّ وعلى أعدائي، وهذا ما قالته مديرة صندوق النقد الدولي كريستين أوديت، ولكن بلغة دبلوماسية قد لا يفهمها ترامب أصلاً!