ركزت الكلمات التي ألقيت في الندوة حول الفنان محمد شامل على الدور الذي اضطلع به هذا الرائد والمؤسس الذي كتب نحو 30 ألف نص، على حد تعبير الأديب سليمان بختي مدير دار «نلسن للنشر»، وعمل طوال حياته ليكون لدينا فن في لبنان يشبهنا وله هويتنا وأصالتنا، وطالب بختي بتسمية مسرح وشارع وجائزة باسم محمّد شامل وإصدار طابع تذكاري يحمل صورته. «محمد شاملٌ هو في ثقافته وخبرته شامل في ما قارب من مسارات فنية»، قال د. أمين فرشوخ، وأضاف: «المسرح هو فن شامل، فيه الحركة، والحوار، والرقص، والأسلوب الإيمائي، والموسيقى، والألوان، والتراجيديا، والهزل، وكوميديا العادات، وكوميديا الشخصيات... كل هذه العناوين والفروع عالجها محمّد شامل، على تفاوت في كل عمل له، كأنه أراد أن يرضي الجميع وجميع المشاهدين أو المستمعين».
بدوره لاحظ د. نادر سراج أن محمّد شامل واكب تغيرات المجتمع البيروتي في تطوره عبر أجيال، من ثلاثينيات القرن الماضي حتى تسعينياته، اسكتشاته الفكاهية وتمثيلياته التي أدتها مجموعة من أبرز ممثلي لبنان وممثلاته، شكلت مرآة عاكسة للتحولات البنيوية التي طرأت على حارات مدينته بيروت وأحوال بلاده منذ شهد الدور أوائل القرن المنصرم (1919) حتى أواخر السبعينيات.
محمد شامل
ولد محمد شامل في شارع الخندق الغميق في بيروت وتلقى دروسه في المدرسة الأزهرية لمؤسسها العلاّمة الشيخ محمد عساف. تأثر منذ طفولته بالفنان يوسف وهبي، وكان للبيئة التي عاش فيها أثر في تحديد مسيرته الكتابية، فاتخذ من النقد الاجتماعي أساساً لكتاباته و من الأسلوب الشعبي والسهل الممتنع نهجاً له. قادته المصادفات إلى التعرف إلى الفنان عبد الرحمن مرعي، فبدأ معه مسيرته في الكتابة الإذاعية من خلال اسكتشات «شامل ومرعي» في إذاعة «الشرق الأدنى» قبل أن تصبح الإذاعة اللبنانية، وفي الوقت نفسه قدما مسرحية «الكركون» الكوميدية. بعد وفاة مرعي أكمل محمد شامل طريقه بمفرده وراح يكتب للإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح أعمالاً تنوعت مواضيعها بين الوطنية، والاقتصادية، والتربوية والاجتماعية. وبلغ رصيده من الكتابة في التلفزيون نحو 13 مسلسلاً أبرزها «الدنيا هيك»، وفي السينما ستة أفلام، وفي الإذاعة نحو 12 مسلسلاً. أمضى معظم أيامه في الكتابة. وكان يتردد إلى منزله الكبار أمثال: نجاح سلام، وفهد بلان، وهيام يونس وغيرهم، وشوشو كان يحضر معه اسماعيل ياسين، وحسن يوسف، وسعاد حسني، وعبد الباسط عبد الصمد، وحسن فايق، وعبد السلام النابلسي، وغيرهم.على امتداد مسيرته الكتابية، نشر الفن المغلف بكتب الأدب والشعر الموزون والأقوال والأمثال والسجع، جامعاً اللغة الفصحى والعامـية، وناقلاً العبرة إلى الناس بعد جهد فكري في جمع أحداث العمل بشكل فني مميز يسهل على المشاهد الوصول إلى الهدف الصحيح ، جامعاً بذلك مدرسة من الفنانين والنجوم.انتقد الفن الهابط من ناحية القصة التي لا تعكس واقعنا، والكلمة المبتذلة التي تحرك الغرائز، والمسرح السطحي والدراما التجارية وكان يقول: «من المعيب أن يشاهد أطفالنا ما يقدم على الشاشات»، رافضاً تطويل الحلقات بهدف التجارة، ومعتبراً أن هذا الموضوع يؤدي إلى التكرار وتضييع الفكرة، من ثم إلى سقوط العمل.عشق وطنه لبنان، وطالما نادى بضرورة التمسك بالانتماء لأنه الحل الوحيد لقيامة الأوطان، رافضاً الطائفية والمذهبية بأشكالها كافة لأنها تدمِّر وتفتت الأوطان، ومطالباً بدولة قانون وعدالة تحتضن كل شعبها ولا تميز فئة عن أخرى.مع شوشو
روى محمد شامل أنه في أحد الأيام دخل إلى مكتبه شاب ضعيف، وقال له: «أنا حسن علاء الدين، أدعوك وأتمنى أن تشاهد مسرحيتنا»، وبعدما شاهدها لم تعجبه، وبعد أيام زاره حسن علاء الدين وسأله رأيه في المسرحية فقال له: «هل تسمي ما قدم فناً أم هزة، اذهب يا بني «جوخك لم يكتمل»، فأجابه علاء الدين: «أنا وراك عشر سنين حتى اشتغل معك». وبعد فترة أدخله في برنامج للأطفال، بعدها بدأ يكتب له اسكتشات في الإذاعة من بينها: «شوشو بك في صوفر، ويوميات شوشو بك، وخلي بالك من شوشو»، وغيرها، بعدها فيلم سينمائي بعنوان «شوشو والمليون». بعد ذلك، اشتغل شوشو مع نزار ميقاتي حتى وفاته في أواخر سبعينيات القرن الماضي.