وجهة نظر : منتجو النفط مطالَبون بالجدية والانضباط
في ظل توقعات مفرطة بتفاؤلها، وأخرى مغالية في تشاؤمها، أشرت في الجمعة الماضية إلى أن البلدان المنتجة للنفط تقف عند عتبة شهر من البلبلة والاضطراب والقلق، شهر مليء بالمفاجآت التي باتت قدر دول النفط. وتثبت الضغوط التي تعرّض لها سعر النفط هذا الأسبوع حالة التوهان والتذبذب التي يعيشها سوق النفط، إذ دفعت هذه الضغوط الأسعار الى أدنى مستوى لها خلال شهر، حيث تراجع خام القياس العالمي (نفط برنت) الى أقل من 80 دولارا، وخام القياس الأميركي (نفط غرب تكساس المتوسط) الى أقل من 70 دولارا.ويأتي هذا التراجع في ظل تقلبات وأحداث سياسية وبيانات اقتصادية مفاجئة صبت المزيد من الزيت على نار الصورة المضطربة التي تعانيها الأسواق.
العوامل الضاغطة على الأسعارضمت قائمة التطورات السلبية التي أضعفت الأسعار استمرار الزيادة في مخزونات النفط بالولايات المتحدة، إذ سجلت هذه المخزونات، للمرة الأولى منذ عامين تقريبا، ارتفاعات أسبوعية على مدى 4 أسابيع متتابعة وبمعدلات تجاوزت في المتوسط توقعات المراقبين.وتسببت هذه الارتفاعات المتواصلة، أي بتعبير آخر التسارع في إعادة بناء المخزون، في زيادة الضغط على أسعار الخام، وذلك على الرغم من أن الطاقة الاستيعابية للمخزون ما زالت أعلى بكثير من حجم المخزون الفعلي بنحو 300 ألف برميل.وتندرج في القائمة ذاتها، الزيادات المتوقعة في إنتاج الولايات المتحدة من النفط والتي تقدرها وكالة الطاقة الدولية بنحو 100 ألف برميل يوميا خلال شهري أكتوبر الجاري ونوفمبر المقبل، وهي زيادات تفوق ما تحقق في الفترة السابقة من العام، كما تتجاوز توقعات المراقبين، ومن المرجح تحقق هذه الزيادات على الرغم من تعثّر صناعة النفط الصخري الأميركي بسبب الصعوبات التي يواجهها حوض بيرميان العملاق. العوامل الداعمةعلى رأس قائمة التطورات الموجبة، أي الداعمة لأسعار الخام وتماسكها، تأتي تداعيات الحرب التجارية المعلنة من جانب الإدارة الأميركية ضد الصين، وهي حرب سيتواصل زخمها وتخندق الإدارة الأميركية في حصونها الى أن تضع الانتخابات البرلمانية النصفية في الولايات المتحدة أوزارها على أقل تقدير، فالإدارة الأميركية تعتقد أن قطاع الأعمال في أغلبه داعم لها في موقفها من الصين. وفي قائمة التطورات الموجبة أيضا يصب التصريح الذي أدلى به مصدر سعودي مسؤول الى وكالة الأنباء السعودية، والذي أكد فيه رفض المملكة لغة التهديد بفرض عقوبات اقتصادية، أو اللجوء الى ضغوط سياسية عليها، وأن السعودية "سوف ترد على أي إجراء يتخذ ضدها بإجراء أكبر، وأن لاقتصاد المملكة دورا مؤثرا وحيويا في الاقتصاد العالمي.....".وهذا تصريح من شأنه أن يثير مخاوف من حدوث نقص في إمدادات النفط الخام بالسوق العالمي، فريادة السعودية لهذا السوق ووزنها فيه أمر غنيّ عن التعريف، فهي أحد أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، ولديها أكبر مخزون مؤكد من هذا النفط.وفي القائمة ذاتها يندرج اقتراب موعد العقوبات الاقتصادية المشددة على إيران، والتقارير التي تشير الى انخفاض متسارع في حجم صادرات النفط الإيراني، إذ تقدر التقارير أن هذه الصادرات قد انخفضت الى نحو 1.5 مليون برميل يوميا في الشهر الجاري، أي أقل بنحو 40 في المئة من مستواها المسجل في النصف الأول من العام الحالي، وتزعم التقارير أيضا أن نسبة لا بأس بها من الصادرات الإيرانية الحالية ليست لها وجهة جغرافية محددة، ولكنها تبقى محملة على ناقلات إيرانية في صورة مخزونات عائمة في الخليج أو المحيط الهندي. فإذا كانت الأسعار قد تراجعت بهذه السرعة التي شهدناها هذا الأسبوع، في ظل كل هذه العوامل الدافعة الى تماسكها، فإن على منتجي النفط أن يعيدوا النظر في تفاؤلهم بمستقبل سوق النفط، وأن يتحلوا في قراراتهم بقدر أعلى من الجدية والمسؤولية والانضباط. * أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت