المعارضة هي السبب!
الحكومة كانت دائماً تتخذ من مجلس الأمة، وخصوصا بعد تصاعد قوة المعارضة البرلمانية، شماعة لإخفاقاتها، والتسويق بأن البرلمان هو سبب تعطيل التنمية وتأخير الإنجازات، وكان تبرير ذلك الاستجوابات المتكررة وأسلوب الصراخ وتدخل النواب في التعيينات القيادية وتأثيرهم على القرار الحكومي!
ماذا بعد أن تحتل الكويت المركز (54) عالمياً في مؤشر التنافسية الاقتصادية، متراجعة (14) مرتبة بين دول العالم خلال سنتين فقط، متذيلة بذلك الترتيب داخل البيت الخليجي؟ وماذا بعد أن تأتي الكويت في المركز (79) عالمياً وفقاً لمعايير جودة التعليم ومخرجاته؟ وماذا بعد أن نصل إلى المركز (103) عالمياً في مؤشر القدرة الابتكارية؟ هذه المؤشرات التي نشرتها لجنة الكويت الوطنية التنافسية برئاسة شخصية مرموقة ومخلصة كالدكتور فهد الراشد، واستناداً إلى التقرير السنوي للمنتدي الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، تتناغم مع العديد من التقارير التي تصدرها جهات وطنية ودولية لقياس اتجاهات التنمية البشرية وفق معايير دقيقة ونمطية.تكمن المشكلة في استمرار هذه المؤشرات الضعيفة وتراجعها المخيف سنوياً خلال الأعوام القليلة الماضية، على الرغم من ضخ عشرات المليارات من الدنانير عبر بوابة خطط التنمية وتحت شعار تطوير الخدمات وفي مقدمتها التعليم.
وكانت الحكومة دائماً تتخذ من مجلس الأمة، وخصوصا بعد تصاعد قوة المعارضة البرلمانية، شماعة لإخفاقاتها، والتسويق بأن البرلمان هو سبب تعطيل التنمية وتأخير الإنجازات، وكان تبرير ذلك الاستجوابات المتكررة وأسلوب الصراخ وتدخل النواب في التعيينات القيادية وتأثيرهم على القرار الحكومي!لكن منذ عام 2013 استفردت الحكومة بالإمساك بجميع مفاصل الدولة، ووسائل إعلامها ومؤسساتها بما في ذلك مجلس الأمة، ولم يشهد تاريخ الكويت السياسي برلماناً منتخباً أكثر طواعية ورضوخاً ومهادنة مثل مجلس 2013 إلا مجلس 2016 الحالي، الذي انفرد من تلقاء نفسه بتحصين الحكومة من المساءلة منذ أول يوم لانعقاده، ودليل ذلك أن الاستجوابات المقدمة خلال السنوات الخمس الماضية إما كانت صورية وإما بترتيب مع الحكومة. ولم تتعد الاستجوابات الجادة حدود النقاش دون الوصول إلى طرح الثقة، وعدم تجاوز التصويت على طرح الثقة أصوات مقدميه فقط، وهذا يعني أن الحكومة لم تكن في مأمن سياسي كما تتمتع في الفترة الأخيرة، في حين المعارضة المزعجة والمخربة قد اختفت تماماً من المشهد، إما بسبب السجن أو وجودها خارج البلاد أو حرمانها من المشاركة السياسية، ولم تعد هناك مظاهرات أو خطابات وندوات ولا حتى وجود في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن تبقى من فتات المعارضة تحولوا إلى رأس حربة في وأد الاستجوابات وتحصين الحكومة.ما نراه من مؤشرات التخلف والتراجع في التنمية والخدمات وضياع الرؤى المستقبلية لا يعكس سوى حقيقة مؤلمة واحدة، وهي أن البلد تحول إلى منظومة من الفساد بكل أنواعه، وهذا ما تؤكده الفضائح المالية وشبهات الاستيلاء على المال العام تحت نظر كبار المسؤولين، وآخرها سرقة الضيافة المليونية في وزارة الداخلية، ولعل الخافي أعظم، وكل ذلك بسبب المعارضة!