كيف تستطيع الولايات المتحدة التكيف إذا خسرت الحرب التالية؟
ناقشتُ سابقاً أن الجيش الأميركي، ووزارة الدفاع الأميركية، ومعظم خبراء الأمن القومي يتوقعون أن الولايات المتحدة ستفوز دوماً في الحروب التي تُرغَم على خوضها، إلا أن الولايات المتحدة قد تخسر في الواقع إذا استغل عدو ذكي نقاط ضعف أمتنا. حددت ثلاث طرق قد يحدث فيها ذلك: إذا توصل العدو إلى طريقة ليطيل الحرب إلى أن تتخطى حدود الصبر الأميركي، أو إذا غزا عدو مسلح نووياً أمة أخرى وراح يستفزنا، أو إذا اتبع العدو ما يدعوه الخبراء الأمنيون اعتداء "المنطقة الرمادية" ليفرض على الولايات المتحدة أمراً واقعاً، ولكن ثمة طرق ثلاث إضافية قد تؤدي إلى خسارة الولايات المتحدة الحرب التالية، وتعكس كلها كيف بات هذا البلد أكثر ضعفاً سياسياً رغم هيمنته العسكرية.يقوم السيناريو الأول على توصل العدو إلى طريقة لاستغلال الوقائع الجيو-سياسية لمصلحته، ففي البيئة الأمنية اليوم قد تخوض الولايات المتحدة على الأرجح الحروب البعيدة عن موطنها من خلال إسقاط القوة الطويل المدى: لنفكر عموماً في الحرب الجوية ضد داعش في العراق وسورية وغزو العراق عام 2003. تتفوق الولايات المتحدة على أي أمة أخرى في التاريخ في هذا النوع من حشد القوى وتزداد مهارة، فيستطيع الجيش الأميركي ضرب أهداف في أي بقعة من بقع الأرض، لكن القدرة على ضرب أهداف العدو قد لا تكون كافية دوماً للفوز في الحرب.في السيناريو الثاني، يسعى العدو إلى تأخير رد الولايات المتحدة الموحد والفاعل ضد اعتدائه باستغلاله الانقسامات السياسية الداخلية الأميركية، فمن الواضح أن روسيا تقود حملة معلومات استراتيجية بغية توسيع انتشار المشاعر الموالية لروسيا بين القوميين الإثنيين الأميركيين وأجزاء من اليمين المتدين، وذلك بغية تعزيز فرط التحزّب الأميركي وتأجيج النزعة الانعزالية داخل الولايات المتحدة.
ونظرا إلى حالة السياسات الأميركية الراهنة، فقد نصل إلى مرحلة تفقد فيها الولايات المتحدة وحدتها وإرادتها السياسيتين الضروريتين للتصدي للاعتداءات المسلحة في الخارج، سواء تلك التي تشنها روسيا أو أي أمة أخرى. هذا ما حاول الاتحاد السوفياتي القيام به بالتحديد، صحيح أنه أخفق، لكن الولايات المتحدة كانت أمة مختلفة جداً آنذاك، فقد باتت اليوم أكثر تأثراً بكثير بالتلاعب الخارجي.سبق أن قدّم الرئيس الحالي فرصاً يستطيع أعداء أمثال روسيا استغلالها، فقد شكك ترامب أخيراً بما إذا كان على الولايات المتحدة الدفاع عن العضو الأحدث في حلف شمال الأطلسي، الجبال الأسود، رغم التزام هذا الائتلاف بالدفاع الجماعي. وفي ذروة الحملة الانتخابية عام 2016، رفض ترامب حتى الالتزام بالدفاع عن أعضاء حلف شمال الأطلسي في منطقة البلطيق في وجه اعتداء روسي افتراضي، مؤكداً أن رد فعله كرئيس يعتمد بدلاً من ذلك على ما إذا كانت هذه الدولة "قد أتمت التزاماتها تجاهنا". أما السيناريو الثالث المحتمل الذي قد تخسر فيه الولايات المتحدة، فيشمل نجاح عدو ما، سواء كان أمة أخرى أو لاعباً آخر لا يشكّل دولة، في تطوير نوع من التكنولوجيا الفتاكة عسكرياً تفتقر إليه الولايات المتحدة واستعمالها. صحيح أنه ما من خصم قد يتفوق على الولايات المتحدة في شتى المجالات التكنولوجية، إلا أن عدواً ما قد يطوّر تكنولوجيا محددة حاسمة استراتيجياً لا تملكها الولايات المتحدة لأسباب أخلاقية أو ربما قانونية، قد تكون هذه التكنولوجيا شكلاً مختلفاً من الذكاء الاصطناعي، مثل القدرة على نشر الخراب عبر الإنترنت أو أسلحة تقوم على التكنولوجيا الحيوية أو الهندسة الوراثية، أو ربما ابتكاراً مغايراً تماماً مستقدماً على الأرجح من القطاع الخاص أو مطوَّراً بالتعاون مع الجريمة المنظمة. قد يحقق خصم مماثل الفوز في ساحة القتال أو قد يردع الولايات المتحدة من المشارك في الحرب أساساً.يبقى بصيص الأمل الوحيد أن كل سيناريوهات خسارتنا الحرب هذه لا تمثل خطراً وجودياً يهدد الولايات المتحدة، لكنها ستولّد جميعها صدمة نفسية، لا نعرف ما سيكون عليه رد فعل الأميركيين، أما زالت الأمة قوية وموحدة كفاية لتستعيد توازنها بعد خسارتها الحرب، وتتكيف، وتمضي قدماً أم أنها باتت مقسّمة بحدة وهشة فتؤدي الهزيمة إلى انهيار إرادة الأمة بالكامل؟أدت الهزائم السابقة، مثل فيتنام، إلى تعديلات كبيرة في استراتيجية الأمن القومي الأميركية وتجددها في نهاية المطاف، لكن الهزائم المستقبلية قد تعكس فك ارتباط عالمياً، وانقساماً داخلياً، وحتى خطراً كبيراً يهدد الديمقراطية.* ستيفن ميتز* «ورلد بوليتيكس ريفيو»