بعد أن باتت الحاجة ماسة إلى خفض انبعاثات الكربون من المدن، وضعت «سيتي أوف لندن» أي حي المال في شرق العاصمة البريطانية - لندن نفسها على مسار يحظر سير السيارات في نحو نصف شوارع المدينة. بدأ هذا المسار بعد أن صعقت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة العالم في السابع من شهر أكتوبر الجاري عندما أكدت أسوأ شكوكنا بشأن مخاطر التغير المناخي. اذ بين تقرير اللجنة ضرورة إبقاء زيادة الحرارة الناتجة عن الاحتباس الحراري العالمي دون 1.5 درجة مئوية، وإلا فإن العالم سيصبح عرضة لخطر تزايد الحرائق وموجات الحرارة والفيضانات التي ستغرق المدن الساحلية. ولتحقيق هذا الهدف يتعين على الدول والحكومات المحلية خفض نسبة الكربون بصورة كاملة، والتحول كلياً إلى مصادر الطاقة المتجددة بحلول سنة 2050. وهذا طلب قاسٍ لكنه ضروري، ولدينا ما يؤكد أن «مدينة لندن» بادرت في الانطلاق على هذا المسار. فبعد يوم واحد من نشر التقرير المذكور طرحت المدينة خطة ترمي إلى خفض دراماتيكي في حركة السيارات والسرعة في المركز المالي للمدينة الذي يعرف بإسم الميل المربع «سكوير مايل». وبموجب مقترحات «سيتي أوف لندن كوربوريشن» وهي السلطة المحلية المنظمة للمنطقة سوف يتم حظر سير السيارات في نصف عدد الطرقات في مركز المدينة وخفض السرعة المسموح بها للسيارات إلى 15 ميلاً في الساعة. وبحسب صحيفة «إيفننغ ستاندرد»، فإن هذه الخطوة تهدف إلى زيادة التحول إلى استخدام الدراجات وتعزيز سلامة المشاة وخفض الانبعاثات.
استراتيجية المواصلات
وكانت «سيتي أوف لندن كوربوريشن» قدمت مسودة خططها إلى مسؤولين منتخبين محلياً على شكل جزء من خطوة تفضي إلى الكشف عن استراتيجيتها النهائية لنظام الطرق التي تقول المؤسسة أنها سوف تنشرها في فصل الربيع المقبل، ضمن سعيها إلى الحصول على أفكار ومقترحات تتعلق بهذا المسار. وفي صلب استراتيجية المواصلات لتلك المنطقة تخصيص شوارع للمشاة حول محطات المترو الرئيسية المحلية مثل ليفربول ستريت ومورغيت، وإضافة خطوط للمزيد من خطوط الدراجات المحمية ذات الاتجاهين في الشوارع الرئيسية.وتركز سيتي أوف لندن كوربوريشن على ضمان أن يتمكن الناس من اجتياز حي المال سيراً على الأقدام في المستقبل. ووصف كريس هيوورد وهو رئيس المركز المالي للتخطيط والمواصلات تلك الخطوة بأنها «حماية مستقبل السكوير مايل» إذ يعمل 480 ألف شخص في الوقت الراهن ومن المتوقع أن ينضم إليهم 90 ألف شخص خلال العقد المقبل. وبالنسبة إلى هيوورد يعتبر إعطاء الأولوية للمشاة وركوب الدراجات والنقل العام على حساب السيارات الخاصة مسألة هندسية صرفة. وبحسب تقرير صدر عن المركز المالي، فإن أكثر من 600 متر مربع من مساحة الشوارع تكون مطلوبة لنقل 80 شخصاً في 55 سيارة أو سيارة أجرة، بينما يتطلب نقل العدد ذاته من الناس في خمس حافلات 170 متراً مربعاً ويتطلب الانتقال بالدراجات 160 متراً مربعاً فقط.ويشمل أكثر من 90 في المئة من الانتقال عبر سكوير مايل المشي، ومع ذلك وعندما استطلع المركز المالي في لندن آراء الناس حول التنقل هناك وجد أن 84 في المئة من الناس يشعرون أن أرصفة المشاة مزدحمة بشدة. ويرى 3 من 5 من الناس أن حاجة راكبي الدراجات والمشاة متخلفة في تلك المنطقة.وبالنسبة إلى هيوورد، فإن ذلك لا يمثل مستقبلاً مستداماً أيضاً – سواء من ناحية المكان أو البيئة. واذا مضى المركز قدماً في خططه، التي سوف تعرض على التصويت في وقت لاحق من فصل الخريف الحالي، فإن تلك لن تكون الخطوة الأولى التي يقوم بها نحو جعل الشوارع أكثر إنسانية واستدامة.إذ بدأت سلطة إيقاف السيارات المحلية خلال فصل الصيف بتعديل رسوم وقوف السيارات تبعاً لانبعاثات المركبة كما أنها تنظر في حظر المركبات ذات الانبعاثات العالية بصورة تامة في البعض من الشوارع (ويشتهر وسط لندن بسوء نوعية الهواء بشكل فظيع). وتضاهي هذه الإجراءات سياسات تطبق في مدن أخرى. وتمضي أوسلو، على سبيل المثال، نحو جعل مركز المدينة خالياً من السيارات العام المقبل. كما تخطط مدريد لحظر السيارات على بعد 500 متر من مركز المدينة بحلول عام 2020.وفي ضوء تقرير الأمم المتحدة حول تغير المناخ، فإن أهمية نأي المدن عن السيارات الخاصة العاملة بالديزل ليس فيه أي نوع من المبالغة. وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يعتبر قطاع المواصلات مسؤولاً عن أعلى نسبة من انبعاثات الكربون، وفيما تمضي السيارات والحافلات الكهربائية لمعالجة ذلك في نهاية المطاف، فإن هذا لن يعالج قيود المكان التي تواجه المدن المزدحمة مثل لندن. وبالنسبة إلى تلك الأماكن فإن من المنطقي تحول الأولوية نحو راكبي الدراجات والمشاة ووسائل النقل العام، كما أن خطة حي المال في لندن سوف تتطور إلى حيث حظر السيارات على نصف العدد ليشمل تلك الجوانب كلها.