ما زلنا نحن العراقيين نواصل تأثيرنا وسحرنا على العالم، وكما كنا نفعل دائما وندهشهم بمغامراتنا وحكاياتناالعجيبة عن «ألف ليلة وليلة»، ونجعلهم يتعاطفون مع شهرزاد ضد الملك شهريار، ونأخذهم في رحلات السندباد البحرية التي لا تنتهي عجائبها ونصحبهم مع علي بابا في مغامراته مع «الأربعين حرامي»، وغيرها من القصص والروائع الأسطورية الجميلة التي كان لها الفضل في إثراء الثقافة الإنسانية، اليوم نكرر نفس حكايتنا «العجيبة» للعالم، ولكن بحبكة درامية جديدة، باهتة وغير مؤثرة وعلى قدر كبير من السماجة والتزييف، ليس فيها المتابعة والتشويق، ولا البراعة في الصياغة والتأليف، وينعدم فيها الذوق والحس الفني الجميل وبشخصيات «كارتونية» هزيلة لا تحمل الصفات «الكارزمية»للسندباد البحري، ولا تتمتع برشاقة وخفة ظل علي بابا، ولا حتى بشغف وإصرار الملك شهريار في الوصول إلى الحقيقة والمعرفة، مليئة بالحقد وغارقة في العقد النفسية العميقة. وإذا كنا قد أبهرنا العالم بمواهب فذة من نسج الخيال وشاركنا بها في الفعل الحضاري، فإننا اليوم نقدم لهم من الواقع المُر شخصيات ضربت أروع الأمثلة في الاستهتار بالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان، بدءاً بالزعيم «الانقلابجي» عبدالكريم قاسم ومرورا بأبي المعارك والحروب الطويلة البائسة وسيدها من غير المنازع، قائد الأمة صدام «القومجي»، وصولاته المعروفة وجولاته المعهودة في قصف المدن بالكيمياويات، ودفن الناس أحياء في مقابر جماعية، وانتهاء بالمغامرين الجدد أبطال الطائفية المقيتة والوطنية «المصلحية»المزيفة... ومساعيهم المفضوحة للوصول إلى السلطة.
لا يمر يوم دون أن نسمع عن بلاد «الأربعين حرامي» شيئاً ما يعكر المزاج ويطير العقل من الدماغ، ويجعل الحياة أكثر قتامة وبؤسا... الأحداث تتوالى على رؤوسنا بسرعة مدهشة منذ سقوط النظام البائد، أحداث ساخنة غير عادية من العيار الثقيل، كل حادث منها يكفي ليقصم ظهر أصلب رجل فينا، فما إن نخرج من أزمة حتى نقع في أخرى أسوأ وأتعس، لا نكاد نتخلص من «بلاوي» العروبيين حتى نتعرض لتفاهات الطائفيين، دائمي التنقل من حفرة إلى حفرة، ومن مصيبة إلى أخرى ألعن وأتعس، والله وحده يعلم ماذا نخبئ للعالم من مفاجآت غداً؟!... حروبنا شرسة وقاسية وسلامنا ذل ومهانة، عندما نحارب، نقتل بالآلاف وبكل الأسلحة، المحرمة منها وغير المحرمة، ولكن عندما نتهاوى ونندحر «نبوس الجزم» ونستسلم دون قيد أو شرط، فلا حروبنا تشبه حروب الآخرين ولا سلامنا يشبه سلام الآخرين. بعد أن أنجانا الله من حزب عروبي عنصري فاشي عام 2003 وقلنا سنشكل دولة ديمقراطية للجميع ليكون الكل سواسية أمام القانون وكتبنا دستوراً، سرعان ما رحنا نشكل ميليشيات طائفية وفرق موت، يقتل بعضنا بعضا على أساس الهوية عبر حرب أهلية، ديمقراطيتنا بخلاف ديمقراطيات العالم، تعطي مساحات واسعة لحرية السرقات المنظمة والقتل على الهوية وتوزيع المناصب العامة بحسب القرابة الحزبية أو الطائفية أو العائلية، فالأقربون كما هو معلوم أولى بالمعروف... كل الشعوب في حالة إبداع وتطور دائمة، وشعوبنا مثل الثور المعصوب العينين يدور في رحى الشعارات البالية والمبادئ الفارغة التي عفا عليها الدهر وفاتها قطار الحداثة والمعاصرة. * كاتب عراقي
مقالات - اضافات
العراق ليس له حل!
20-10-2018