أن تعيش في هذه البقعة من الكوكب المسماة بالعالم العربي، وتحافظ على ما تبقى لك من قواك العقلية، وبما يكفل لك قضاء أيامك وأعمالك وحاجاتك الطبيعية بمواعيدها وأماكنها إلى الآن، ليعتبر إنجازاً عظيماً تستحق عليه جائزة نوبل للصمود والتحدي في هذا المستنقع الذي ترثي لحالك معه الضفادع والسلاحف، فعليك هنا التكيف مع من يطالبون بالحرية والاستقلال ومحاربة الاستعمار والإمبريالية والشيطان الأكبر، لكنهم يمجدون الطغاة والمستبدين، ويتشرفون بخدمة الشياطين الأصغر والأوسط وبقية العائلة، ولابد لك من الاعتياد على من يعايرونك طوال عمرك وعمرهم بالعمالة والخنوع للغرب الأجنبي، ومع أول فرصة تسنح لهم ألبوا هذا "الأجنبي" عليك، واصطفوا معه ضدك ونصروه، وعرضوا تقديم خدماتهم المجانية له، فلا تدري بعدها من أنت ومن هم، كما عليك أن تتأقلم مع المصابين بعقد الدونية والنقص ممن ينتقدون سياسات ومواقف وتصرفات "الخلايجه" لابسي الدشاديش، بينما يعجبهم ويقدسون من هو أردأ منهم بسنوات ضوئية من أهل التنظير والتقعير والينبغيات التي "لا تنبغى ولا تنشرى"، ثم تنقرف يومياً مع من يؤيدون جميع الثورات وحركات التمرد في أصقاع العالم كافة، لكن تنشل حاسة المبادئ لديهم عند ذكر سورية أو البحرين حسب الوراثة والبيئة والمصلحة، وبعد ذلك تنقرف أكثر ممن يتباكون على القتلى والجرحى والمجاعات والأمراض في اليمن، ويبررون ذات المصائب في سورية والعراق وإيران والعكس صحيح، وتتابع بصفة دورية واشمئزاز عالي المستوى من يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لدواع إنسانية حسب الجنسية، ويصابون بالخرس والصمم والعمى حسب الجغرافيا، وعليك أن تتعايش إلى الأبد مع من يرفعون المبادئ والمثل العليا والشعارات الكبرى ويكررونها لمعايرة الآخرين بها، وهم أكثر من يدهسها وينزلق عليها بلا أدنى شعور بالذنب أو روح الدعابة، كما عليك أن تتحمل نفاق ورياء المجرمين حين يتباكون على ضحايا مجرمين آخرين كرهاً ونكاية لا حباً بالإنسانية والعدالة والشرف، وملزم بالسكن والاستقرار بين من يملأون المساجد ودور العبادة بكاءً وعويلاً في المواسم لتعتاد على سوء أخلاقهم وفظاظتهم وتخلفهم بمؤشر الفساد العالمي لبقية العام، ويجب أن نصبر ونحتسب على من يزعجوننا بصراخهم ومطالباتهم المستديمة بالحريات، لكنهم يرفضون في ذات اللحظة حرية الرأي والتعبير والبحث والنقد والكلام والضحك واللبس والعبادة والقراءة والرياضة والأكل والشرب، والحمد لله والشكر على ما تبقى من نعمة العقل... هذا إن ظل شيء منه.
أخر كلام
نقطة: مورستان العالم العربي
20-10-2018