النحَّات جمال صدقي: أعمالي تتحدَّث عن نفسها
كشف أنّ تمثال نفرتيتي المشوَّه في صعيد مصر صنعه «مُبيِّض محارة»
أصابت أستاذ النحت في كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا الدكتور جمال صدقي، صدمة كبيرة أواخر عام 2015 حين وقعت عيناه على تمثال مشوه لنفرتيتي في مدخل مدينة سمالوط بمصر التي يعيش فيها، بذل جهداً مع المسؤولين لإنقاذ الملكة الفرعونية الجميلة وإزالة التمثال المشوه وأبدع واحداً جديداً بمقاييس فنية منضبطة. حديث أجرته معه «الجريدة» كشف سبب انتشار التماثيل المشوهة في عدد كبير من ميادين مصر.
يقول أستاذ النحت د. جمال صدقي: «قبل نحو ثلاثة أعوام اندلعت موجة غضب في الأوساط الفنية والثقافية بمصر بعد انتشار صور لتمثال مشوه للملكة الفرعونية نفرتيتي عند مدخل مدينة سمالوط في محافظة المنيا (جنوب القاهرة)، لكن بعد إزالته ووضع آخر بمقاييس فنية صحيحة، لم يلتفت إليه أحد. حتى حين نُشرت صور التمثال الجديد نُسب خطأ إلى طلاب كلية الفنون الجميلة في المنيا، رغم أنه من إبداعي ونفذته في المركز الإنتاجي بالكلية الذي أتولى إدارته».يتابع: «أعيش في مدينة سمالوط وأمرّ على هذا المكان يومياً. ذات يوم في أواخر عام 2015 لاحظت أعمال تشجير ورصف للطريق ولكن صدمني وجود تمثال مشوه للملكة نفرتيتي. اعترضت على وجوده وقلت إنه يسيء إلى المكان وإليّ شخصياً باعتباري نحَّاتاً وأسكن على مقربة منه. أحد المسؤولين عن هذا العمل قال لي إن صُنع التمثال كلفهم 400 جنيه (نحو 20 دولاراً)، وعلمت أن الشخص الذي نفذه «مبيض محارة» يعمل في مجال الإنشاءات ولا علاقة له بالفن وأصوله، ووصل الأمر إلى محافظ المنيا فأمر بإزالته فوراً، واستقرت الحال على تنفيذي تمثالاً جديداً يرد الاعتبار إلى الملكة الفرعونية الجميلة».
تقييم الجمهور
استغرق العمل على التمثال الجديد نحو شهرين وبلغت كلفته 135 ألف جنيه (نحو 7500 دولار)، وافتتح الميدان رسمياً في حضور المحافظ وعدد من المسؤولين، لكن وسائل الإعلام لم تلتفت إلى التمثال الرائع الجديد، واستمر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في نشر صور التمثال المشوه، والسخرية منه، وقبل أيام انتشرت صور العمل الجديد ولكنه نُسب خطأ إلى طلاب كلية الفنون الجميلة وليس إلى النحات المعروف جمال صدقي.صاحب التمثال الجديد، عبَّر عن دهشته مما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، موضحاً لـ«الجريدة» أنه لا يملك حساباً على موقع «فيسبوك» أو غيره، لكنه علم بالأمر من بعض أصدقائه، ولأنه لا يسعى إلى الشهرة والأضواء لم يتواصل مع وسائل الإعلام لتصحيح الخطأ، وقال: «أعمالي تتحدث عن نفسها، وأترك تقييمها للجمهور المتلقي. أخيراً التفتت صحف إلى أنني صاحب العمل الجديد وأنصفتني، خصوصاً أن اللوح التأسيسي الموجود على التمثال يشير بوضوح إلى اسمي كمصمم له وهو أمر لا تخطئه عين ولا يحتاج إلى إثبات».الذوق العام
وفي مفاجأة أخرى قال صدقي: «يلجأ المحافظون في مصر إلى مقاولي بناء لتجميل الميادين. حتى اللجنة العليا للتجميل لا تضم سوى فنان واحد وبقية الأعضاء موظفون إداريون، لذا يجب أن تضم أستاذاً في كلية الهندسة ومعمارياً ونحاتاً لمراعاة الجوانب الفنية في تجميل الميادين»، كاشفاً عن أن كلية الفنون الجميلة أنشئت في محافظة المنيا عام 1983 وعلى مدار 32 عاماً لم يُسند إليها تنفيذ عمل فني واحد في الميادين، بل كان أول عمل نفذه المركز الإنتاجي التابع للكلية نهاية العام 2015 وهو تمثال نفرتيتي الجديد بعد إزالة التمثال المشوه».ورغم مما يذهب إليه كثير من الفنانين التشكيليين من أن الذوق العام انحدر في مصر، ما نتج عنه انتشار الثماثيل المشوهة في ميادين عدة، بما يثير التهكم والضجر، فإن صدقي قال: «اعتياد رؤية الأمور القبيحة أمر كارثي، لكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. ما زالت العين الناقدة موجودة وتمارس عملها، ولا يحتاج الأمر إلى متخصص، فالعين ترفض الشاذ وترصد القبح مثلما ترصد الجمال بسهولة، وهذا سر الهجوم الشديد الذي اندلع بعد ظهور تمثال نفرتيتي المشوه في محافظة تحمل اسم عروس الصعيد».وفسر النحات المصري المعروف سبب انتشار ظاهرة التماثيل المشوهة في كثير من الميادين، خصوصاً في المناطق الإقليمية، إلى وجود ميزانيات محدودة في كل محافظة، وحين يتقرر العمل على تجميل أو تطوير مدينة يذهب أكبر نصيب من الميزانية إلى أعمال خدمية مثل رصف الطرق ومد شبكات الصرف الصحي والكهرباء وما إلى ذلك، بينما يُخصص مبلغ مالي ضئيل جداً لتصميم تمثال فتكون النتيجة الاعتماد على شخص غير متخصص لصنع هذا القبح في الميادين.«ميدان الشهداء»
للفنان جمال صدقي أعمال نحتية لافتة صممها أخيراً في المركز الإنتاجي التابع لكلية الفنون الجميلة بمصر، ولاقت أصداءً إيجابية من بينها عملان في مدينة «مطاي»، ارتفاع أحدهما 13 متراً ووُضع في ميدان أطلق عليه اسم «ميدان الشهداء»، والثاني ارتفاعه تسعة أمتار في «ميدان السلام».وعن فكرة العملين يقول: «في ميدان الشهداء الفكرة عبارة عن أم شهيد واقفة والشهيد مستلقٍ على الأرض، ويربطهما رباط بلا بداية أو نهاية واتجاه روح الشهيد تصعد إلى السماء مع بقائه على الأرض، تأكيداً للآية الكريمة التي يقول فيها الحق تعالى: «ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون»، والتمثال فيه عدة شهداء. أما العمل الثاني فهو تشكيل يعبر عن حمامات السلام».
العمل أزيل بعد موجة سخرية ونفذت تمثالاً بديلاً بمقاييس منضبطة