يغمر الحنين الألوان في لوحات الرسامة التشكيلية يولاند نوفل، مستعيضة عن الحزن العميق ببهجة الحركة واللون، للتعرف ببساطة إلى الطفولة في الماضي ضمن الحاضر، وعيش بهجة الحياة. تجسد قوة الألوان فيض الذكريات، التي تبدو واضحة عبر إيماءات تمثل وجودنا وعالمنا الحسي والمادي، وتناقض بصري ذي أجواء تأثيرية خاصة، ما يشكل دعامات أساسية لهذا الفن الساذج المعتمد على البساطة، والمحتفظ بإمكانات جمالية ودقة في التنفيذ مرتبطة باللاوعي والدهشة الاستثنائية لإيقاعات الألوان قوية النغمة، وما تخفيه الحركة من انطباعات طفولية ذات نضارة حياتية تغمرها العاطفة والحدائق الغناء، وبشاعرية تغوص مع ذكريات الماضي والحاضر ووهم الغياب أو وهم الواقع الذي تصوره يولاند نوفل في لوحاتها بسذاجة لتنفيه، وتترك لبراءة الطفولة مشاكساتها اللونية التي تنضح بجمالية فنية ذات تقنية تحمل في طياتها معالم الماضي الطفولي والحاضر والمستقبل.
عالم وأسرار
لعالم يولاند نوفل الداخلي أسراره الخفية ومشاريع رؤاه ونقاط في الظل غير مبررة ولا يمكن تفسيرها للمراقب. في رسمها تسبر الفنانة أغوار النفس وتخترق أعماق كيانها الأكثر حميمية، واضعة نصب عينيها أن الشجاعة تكمن في البحث عن الحقيقة ورسمها. أمور صغيرة مكدسة في داخلها، تبحث عنها من خلال الرسم الذي هو بالنسبة إليها ابتسامة، وتنفس الصعداء وبكاء ورغبة. اللوحة عند يولاند نوفل لغة ووسيلة لرؤية الأمور بطريقة مغايرة، ورمز لِما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، تنقلها إلى عالم غريب حيث تجد اللون، والحياة، والروح. هذا العالم هو بسيط، يمكن بناؤه تماماً كما تحب، يسير فيه بالتوازي الماضي والحاضر والمستقبل. تماماً مثل الأطفال تخترع نوفل صورة هي واقع آخر، وانطباعات ومشاعر، وإعادة تشكيل الأحاسيس والخبرة برؤية نفسية. في هذا السياق، لا تمثل الفنانة نفسها بل هي نفسها وشخصيتها. لا تهرب من طفولتها، بل تعيش شذرات منها وتعيد رسم ملامح منها يلفها الحنين إلى أصولها وجذورها. اعتمدت الرسامة التشكيلية يولاند نوفل أسلوب الرسم الساذج لأنها فجأة شعرت بجوع وعطش للوحة مغايرة للجدران الرمادية التي طبعت معالم المدينة سنوات طويلة بفعل الحروب المتتالية عليها، تفتح الطريق نحو عالم أكثر دفئاً وأخوّة وإنسانية. من هنا، تضع لوحاتها تحت حكم الآخرين الذين تحت أنظارهم يتحرر عملها منها.محطات من سيرة
الرسامة التشكيلية يولاند نوفل حائزة دكتوراه في الفلسفة والعلوم الإنسانية، ودبلوم دراسات عليا في الرسم في الجامعة اللبنانية، ودبلوم دراسات معمقة في علم النفس. أطلت للمرة الأولى على الجمهور ضمن معرض جماعي في المركز الثقافي الألماني في بيروت عام 1992، ثم كرت سلسلة المعارض الفردية والجماعية في لبنان وفرنسا والسويد... لوحاتها موجودة في مجموعات خاصة من بينها وزارة الثقافة اللبنانية، والمركز التربوي للبحوث والإنماء في بيروت. كذلك بيعت لوحاتها في لبنان وفرنسا والسويد وأستراليا. يولاند نوفل أحد أبرز مؤسسي الجمعية اللبنانية للتربية الفنية في لبنان، ألفت كتابين ضمن قصص الأطفال، ولها دراسات حول علم النفس، كذلك شاركت في دورات تدريبية حول تعليم الأساتذة التربية الفنية.