تحولت أعمال التنظيف على الإشارات المرورية الى تجارة أسيادها بعض المسؤولين في شركات التنظيف، وأدواتها عمالة آسيوية تحاول جاهدة تعديل أجورها المتواضعة ببعض ما يجود به العابرون لتلك الإشارات ردا على تحية عامل النظافة «السلام عليكم».هي شكل جديد من تجارة تلامس حدود الاتجار بالبشر وبلقمة عيشهم، من خلال استغلال عوز عمالة التنظيفات ودفعهم باتجاه «محظور التسول»، وإن بصيغ يحاول البعض إلباسها صفة «الإنسانية وإكرام المحتاجين».
صحيح أن مشهد «التسول غير المباشر» من قبل العمالة الآسيوية عند إشارات المرور والمواقف وغيرها يبدو «عفويا» في أكثر الأحيان، لكن الصحيح أيضا أن بعضا من أولئك العمالة هم ضحايا سوق سوداء لـ «تلزيمات النظافة بمقابل مالي كبير على التقاطعات الحيوية في البلاد ومواقف المستشفيات والجامعات والمقابر والمسالخ المركزية»، وهو ما أظهرته التحقيقات الأمنية مع بعض عمالة التنظيفات التي ضبطت بتهمة التسول. وفي إضاءة على بعض جوانب هذه «الظاهرة»، يشير ضابط بإحدى الجهات الأمنية المنوط بها ضبط المتسولين والظواهر الشاذة والغريبة بالشارع لـ «الجريدة» الى تزايد الشكاوى خلال الآونة الأخيرة من تنامي حالات التسول عند بعض الإشارات المرورية والمناطق الداخلية.
اعترافات خطيرة
ويضيف أنه تلقى عدة شكاوى من سكان إحدى المناطق الداخلية عن وجود عمال آسيويين يتبعون إحدى شركات النظافة يتسولون على إحدى الإشارات الضوئية بالمنطقة، ومن ثم ينتقلون الى التسول في مواقف الجمعية الرئيسة طوال 12 ساعة متواصلة.وهو الأمر الذي اقتضى توجيه قوة من رجال الأمن لمراقبة العمال وضبطهم للتحقيق معهم، بعدما ثبت صحة الشكوى بقيامهم بالتسول».وبنتيجة التحقيقات، أدلى عمال النظافة، وهم 3 أفراد، باعترافات خطيرة شكلت مفاجأة من العيار الثقيل، ومفادها أنهم «استأجروا الموقع»، ودفعوا مبلغا من المال الى «السوبر فايزر»، أي مسؤولهم في شركة التنظيف مقابل أن يسلمهم العمل في هذه المنطقة مدة 3 أشهر ينظفون لساعات، ويتسولون خلال فترات العمل، مشيرين الى أن حصيلة تسولهم يوميا تناهز الـ 100 دينار، وفي الأعياد والمناسبات يتضاعف المبلغ. أما المسؤول عنهم بالعمل فلا يحضر إليهم، ولا يسجل ضدهم أي مخالفات أو غياب طوال مدة «إيجار الموقع».مزاد على المواقع
ويشير الضابط الى أنه بموجب اعترافات الموقوفين، فإن هناك مواقع مميزة بالمحافظة التي تتولى شركة التنظيف الإشراف على تنظيفها وفق العقد مع البلدية، وهذه الأماكن يتم رصدها من مراقبي الشركة، وعلى ضوئها يتم تحديد «سعرها» عبر مزاد داخل مقر سكن العمال، وتبدأ بالموقع الأكثر تميزا، مثل إشارة مرورية مزدحمة داخل منطقة سكنية، أو مواقف مستشفى أو كلية دراسية أو مقبرة، أو منطقة سكنية راقية مثل المناطق الداخلية، وسعر هذه المواقع يبدأ من ألف الى ألف وخمسمئة دينار، ومن ثم مواقف الجمعيات أو مواقف المدارس، ويبدأ سعرها بـ 500 دينار حسب موقع المدرسة. وفي الأعياد والمناسبات يرتفع سعر الموقع، وخاصة الموجودة بالقرب من مواقع الاحتفالات.ووفق الاعترافات أيضا، فإن بعض مراقبي شركة النظافة يجرون كل 3 أشهر مزادا على المواقع، ويشترك بالموقع من عاملين الى 4 عمال، ويستمر هذا الوضع طوال عقدهم مع البلدية التي لا تعتبر نفسها مسؤولة عما يجري، لكونه يقع على عاتق شركة النظافة المتعهدة. ويختم الضابط أنه اتصل بأحد مسؤولي البلدية بمحافظة العاصمة، وأبلغه بما سمع من عمال البلدية المتسولين، فأجابه المسؤول بأنه لا يملك أي قرار تجاه عمال شركات التنظيف، وكل ما يستطيع قوله هو «أبعدوهم» وفكونا من دوختهم، لافتا الى أنه كضابط مسؤول لم يجد أمامه سوى إحالتهم الى إدارة الإبعاد وإعداد تقرير للقيادات في «الداخلية» والبلدية.معاودة بيع مضبوطات الحملات!
يقول الضابط: من المواقف المضحكة التي رواها لي عمال شركة التنظيف أنه خلال حملات المداهمة التي تنفذها البلدية على الأسواق العشوائية، يتم مصادرة بضائع كثيرة، منها أغذية وملابس ومواد تموينية يبيعها المراقبون على العمال الذين يعيدون بيعها في اليوم التالي بنفس الأسواق التي تمت مداهمتها.ويضيف الضابط أن العمال أفادوا بأن موظفي البلدية يصورون مع وسائل الإعلام، ومن ثم يتركون الموقع للعمال لتحميل البضائع والتصرف بها دون أي مراقبة، الأمر الذي يتيح لمسؤولي شركات التنظيف التصرف بالبضائع المصادرة.