إيطاليا تتصدى لسياسة الهجرة الأوروبية
في مرحلة ما في الماضي غير البعيد جداً، عُرفت إيطاليا بـ"رجل أوروبا السقيم"، كان هذا البلد يراكم أكوام الديون غير المستدامة نتيجة الإنفاق العام المرتفع وتفشي البطالة بين الشباب، وخصوصاً في جنوب إيطاليا، حيث بلغت معدلات خيالية، كذلك كان السياسيون الإيطاليون ضعفاء وغير أكفاء، حتى إنهم جعلوا الكونغرس الأميركي يبدو أشبه بآلة حديثة سلسة. كان إيطاليون كثرٌ ينظرون إلى الأحزاب السياسية التقليدية ويرون مجموعة من النخب المنفصلة عن واقعهم تعجز حتى عن منع حكومتها من الانهيار، فكم بالأحرى جعل حياتهم أقل شقاء؟أما إيطاليا اليوم، حيث تتمتع الحكومة الشعبوية الائتلافية بدعم شعبي ما كانت الحكومات السابقة تحلم به، فصارت جريئة، واثقة من نفسها، وأكثر تشدداً في التعبير عن رأيها. قد يكون رئيس الوزراء جوزيبي كونتي البروفيسور المتخصص في القانون يتحلى بمظهر هادئ، إلا أن نائبَي الرئيس اللذين يديران الدفة حقاً مثيران للشغب، وقوميان فخوران، يكرهان التعرض لوعظ أوروبيين آخرين. يحوّل ماتيو سالفيني ولويجي دي مايو، اللذان يرأس الأول بينهما الرابطة والثاني حركة النجوم الخمسة، إيطاليا من "رجل أوروبا السقيم" إلى "المشاغب في أوروبا" لتصبح العضو الذي يسبب المتاعب في العائلة الأوروبية.صحيح أن دي مايو لا يحظى بالإقبال الإعلامي ذاته مثل سالفيني الغريب الأطوار، إلا أن هذين الرجلين كليهما مسؤولان عن تحويل إيطاليا إلى حصن شعبوي في الاتحاد الأوروبي. لا يخشى هذان السياسيان تسديد اللكمات على وجه زملائهما الأوروبيين، ويشكّل هذا بحد ذاته جزءاً كبيراً من جاذبيتهما في نظر ناخبين إيطاليين كثر، ومن المؤكد أن سالفيني يجعل دي مايو يبدو باهتاً بالمقارنة. فقد استمتع وزير الداخلية هذا كثيراً بمنافسة ماكرون على مستقبل أوروبا، متعاوناً مع الهنغاري فيكتور أوربان لشن حملة على نطاق القارة ضد الأحزاب الموالية لأوروبا استعداداً لانتخابات الربيع المقبل بغية السيطرة على البرلمان الأوروبي. ولا تمر أي زلة من دون عقاب، على سبيل المثال، ندد سالفيني قبل أيام بمفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية لأنه قارن حكومة إيطاليا الحالية بنسخة أقل تطرفاً من فاشيي بينيتو موسوليني، وكما ذكر لاعب إيطاليا المشاغب هذا "عليه أن يغسل فمه قبل أن يهين إيطاليا".
تنظر بروكسل اليوم إلى إيطاليا نظرة قلق واستياء، فقد اعتاد الإيطاليون سابقاً إشعال جدال خلال قمم الاتحاد الأوروبي، غير أنهم كانوا في نهاية الاجتماعات يتعاونون على الأقل ويوقعون الخلاصات المطروحة على الطاولة، إلا أن التعاون لا يُعتبر من طبيعة ائتلاف الرابطة (حركة النجوم الخمسة). فلا يتردد شعبويو إيطاليا باستخدام صلاحية النقض (الفيتو) لعرقلة فرض عقوبات إضافية على موسكو، تماماً كما فعلوا قبل أيام عندما حاول الاتحاد الأوروبي إدراج أحد سياسيي القرم على اللائحة السوداء في القارة. رغم همسات كبار المستشارين الإيطاليين عن أن روما قد تنسحب من الاتحاد الأوروبي بالكامل إذا لم تطبق هذه الكتلة الإصلاحات، يبقى احتمال حدوث ذلك منخفضاً، ولكن بالنسبة إلى بيروقراطيي بروكسل الذين يتعرضون اليوم للتقريع مع اعتبارهم متطفلين على الشؤون الداخلية الإيطالية من دون أي حسيب أو رقيب، لا بد من التساؤل: كم المدة التي يجب عليهم أن يتحلوا فيها بالصبر وتحمل الألاعيب الإيطالية؟في الوقت عينه، علينا أن نتوقع استمرار الإساءة من كونتي، وسالفيني، ودي مايو، فقد اكتشف هذا الثلاثي في الحال تقريباً أن مهاجمة الاتحاد الأوروبي تمثل سياسة ناجحة.* دانيال ديبيتري*«ناشيونال إنترست»