واسيني الأعرج: الكتابة وسيلة من وسائل الحياة
أكدت في «حديث الاثنين» أن حياته بالطفولة تركت في نفسه الألم والكثير من التسامح
قال الروائي واسيني الأعرج إن الكتابة وسيلة من وسائل الحياة، وحينما يتوقف عن ترجمة أحاسيسه يشعر بالحزن.
شهدت القاعة المستديرة في مركز جابر الأحمد الثقافي، أمس الأول، فعالية "حديث الاثنين"، ضمن الموسم الثقافي للمركز، وتمت استضافة الروائي واسيني الأعرج، الذي قدَّم محاضرة بعنوان "الارتحال نحو أمكنة الرواية"، بحضور جمع غفير من الأدباء والمهتمين.في البداية، قالت الروائية بثينة العيسى: "إنك لا تدري من أين تأتيك الكتابة، لكنك تدري أنها تأتيك من حيث لا تحتسب. بالنسبة لك، عزيزي واسيني، جدتك الأمية هي التي علمتك الكتابة، وهي التي دفعتك للذهاب إلى المدرسة القرآنية، فجرا، لكي تتعلم اللغة العربية، في وقت كانت المدارس لا تتحدث إلا الفرنسية، وأعتقد أنك منذ تلك اللحظة، وصغيرا جدا، عرفت أن الكتابة هي محاولة انتساب للحرية والحب والنور، أليس كذلك؟".وأضافت: "كانت للجدة ذاكرة قوية، وقد زوَّدت الطفل المتسائل بكل ما تعرفه عن قصص التاريخ الأندلسي والأجداد، حتى آمنت بأن الأجداد يواصلون العيش فينا، بصفتهم ذلك النداء السري الذي لا يموت، وكتبت كل المكابدات، متتبعا خطوات الروخو، جدك الأول الذي شارك في مقاومة أندلسية، ثائرا ضد محاكم التفتيش، فكتبت بذات المنطق".
وتابعت: "رغم عملك الأكاديمي، كأستاذ محاضر في جامعتي الجزائر المركزية والسوربون الفرنسية، ورغم حياتك العامرة بالتنقل وحقائب السفر والمطارات، ورغم رصيدك الذي لا يُنكر في الحقل النقدي، فإنك كتبت رواياتك متحررا من المنهجية، وكان الروائي فيك يتمرَّد دائما على الأكاديمي. بحثت دائما عن طرق جديدة للتعبير، في مدرسة كتابية جديدة لا تستقر على شكل واحد".من جانبه، قال الأعرج: "أعزي الشعب الكويتي في وفاة إسماعيل فهد إسماعيل، الذي لديه امتداد كبير لم يكن فقط كويتيا، لكنه عربي بالمعنى الثقافي والإبداعي". وأشار إلى أن "أعمال الراحل يجب أن تترجم إلى لغات متعددة، لكن هذا أيضا جهد دولة، وليس أفرادا، فالأفراد يعدون سندا". وتمنى الأعرج أن يتم الاتفاق مع دار كبيرة أو تكليف هيئة أو جهة من الجهات الثقافية لتمويل الترجمات، وبالتالي "نسمح لإسماعيل فهد أن ينتقل من المحلية والمساحة العربية إلى العالمية، لأن هذا أيضا حق من حقوق الكاتب".
هزة عنيفة
وعن سبب كتابته بغزارة، أكد أنه سيكون حزينا إذا لم يكتب، وفي غير طبيعته، مشيرا إلى أن "الكتابة هي وسيلة من وسائل الحياة، الكتابة هي الحياة أيضا. نحن نخرج ما في أعماقنا ونحوِّله إلى وسيلة للكتابة، وإلى منجز أدبي، ونحن كأفراد عُرضة لتحولات الانكسارات والفرح، فهذا هو الكائن البشري، لكن أثناء الكتابة أنت لديك هذا الوجود". ولفت الأعرج إلى أنه تعرَّض لهزة عنيفة أدخلته في خمسة أيام غيبوبة، "لكن الغريب أنها لم تكن غيبوبة"، مشيرا إلى أنه كتب رواية دينية، ولم ينشرها، لكنه سجل معلوماتها، وبقيت في ذهنه. ووصف الأعرج الرواية بأنها شديدة العنف، وأنه لا يعرف مصدر هذا العنف، فربما هو عنف داخلي مبطن منذ سنوات ونتيجة خيبات، لافتا أنه وُلد في عام 1954، وعايش الفترة الاستعمارية، وفقد والده، حيث إنه استشهد في ثورة التحرير، ورأى أن والدته عاشت حياة مأساوية، لكنها أعطته مثالا حقيقيا للمرأة. وقال إن تلك التجربة خلفت في أعماقه الكثير من الألم، والكثير من التسامح أيضا، مبينا أن "الألم عندما يبلغ درجة معينة، فإما أنك تصبح عدوانيا، أو تأخذ الضفة الأخرى". وذكر الأعرج أن والدته العظيمة توفيت منذ سنوات، وجدته كانت استثنائية، فيما ماتت أخته حزنا على والده.ولفت إلى أن وظيفة الكاتب هي أن يكتب، واستذكر كلمة أحد أصدقائه، وهو كاتب فرنسي، حيث قال: "اكتب، اكتب، اكتب، واسأل"، مشيرا إلى أنه تعوَّد أن يرى المكان قبل أن يكتب عنه. وقال إن المكان ليس مكانا بالمعنى فقط، بل أحاسيس أيضا، مستذكرا ما جاء في رواية "الأمير"، حيث إن الجانب المشهدي عندما يندمج مع الجانب الحسي للشخص أو للكاتب أو المبدع أو الفنان، ترى تلك المشاهد مثلما كانت في وقتها، وكل العناصر التي كانت متوافرة لديك تسمح بأن تكون لديك تلك النظرة.وفي حديثه عن مي زيادة، قال إنها المرأة التي وصفت بالتفتح، وكاتبة، ومناضلة، ولا يعرف غير ذلك، وفجأة يكتشف في جملة عبارة أنها كانت في مستشفى الأمراض العقلية، وأشار إلى أنه ذهب يبحث عن كل ما يتعلق بجنونها، فذهب إلى بيروت، وبيتها الأصلي الذي وُلدت فيه بفلسطين، وقام بتجميع وثائق كثيرة عنها من الجامعة الأميركية، لأنها كانت تحاضر هناك، وأيضا زار مستشفى الأمراض العقلية، وذهب يبحث عن البيانو الذي كانت تعزف عليه، وزار عائلتها في شحتور، وقابل مؤرخ عائلتها.ولفت إلى أن كل التفاصيل التي قالها المؤرخ كانت مألوفة بالنسبة له، لأنه قضى سنة كاملة يقرأ عنها، وعن التفاصيل المتعلقة بها، وأكد أن العلاقة بالمكان لا تتسم بالطبوغرافيا، لكنها وجدانية. جدير بالذكر، أن واسيني الأعرج جامعي وروائي جزائري من مواليد عام 1954 في قرية سيدي بوجنان الحدودية – تلمسان، ويشغل اليوم منصب أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، ويُعد أحد أهم الأصوات الروائية بالوطن العربي. وعلى خلاف الجيل التأسيسي الذي سبقه، تنتمي أعمال واسيني، الذي يكتب بالعربية والفرنسية، إلى المدرسة الجديدة، التي لا تستقر على شكل واحد وثابت، بل تبحث بشكل دائم عن سبلها التعبيرية الجديدة.
أعمال إسماعيل فهد يجب أن تترجم إلى لغات متعددة