بعد الانتخابات الوطنية في شهر مايو، اصطدم البرلمان العراقي بجدار، حصلت ثلاثة أحزاب إسلامية شيعية على معظم المقاعد في مجلس النواب: تحالف مقتدى الصدر "سائرون"، وتحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري الذي يمثل الميليشيات، وتحالف رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي "النصر". وبعد مفاوضات مطولة نشأ تحالفان كبيران: "الإصلاح" الذين ضم فصائل الصدر والعبادي، و"البناء" بقيادة العامري، ويدّعي كلا التحالفين أنهما يملكان ما يكفي من المقاعد في البرلمان لاختيار رئيس الوزراء المقبل، ونتيجة لذلك توقفت هذه العملية.تواصلت هذه الأزمة حتى مطلع شهر يوليو حين سارت تظاهرات ضخمة في البصرة بسبب فساد الحكومة وعدم كفاءتها، فتحولت البصرة إلى رمز قوي للإخفاق في الدولة العراقية، ومع سكان يبلغ عددهم أربعة ملايين نسمة، تُعتبر ثاني أكبر مدينة في العراق وتؤمن 80% من عائداته النفطية، لكن الحكومة أخفقت في تزويد المدينة بنظام صرف صحي مستدام، حتى مع ارتفاع ملوحة مجرى شط العرب المائي، ونتيجة لذلك دخل 95 ألف بصري المستشفى خلال الصيف بسبب أمراض ترتبط بتلوث ماء الشرب.
أخيراً، تدخل آية الله العظمى علي السيستاني، مرجع ديني شيعي بارز في العراق، في العاشر من سبتمبر ليحل هذه الأزمة، ودعا إلى تغيير في القيادة كرد على الاستياء العام من النخبة الحاكمة وأعلن أنه لن يدعم أي مرشح لرئاسة الوزراء سبق أن كان في السلطة، ويُعتبر دعم السيستاني بالغ الأهمية للسياسيين الشيعة العراقيين، فأدى إعلانه هذا، بالتزامن مع إخفاق العبادي في معالجة مشكلة البصرة، إلى إرغام العبادي والعامري كليهما على الخروج من هذا السباق. على هذه الخلفية، قدّم قادة الأحزاب الإسلامية الشيعية عادل عبدالمهدي كمرشح تسوية ليشغل منصب رئيس الوزراء، بعدما كان عبدالمهدي شخصية بارزة في السياسات العراقية، انسحب من أدواره القيادية وتفادى البروز منذ عام 2016، أما حزبه السابق، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، فبات ضعيفاً ومقسماً، وبما أن عبدالمهدي لا يتمتع بقاعدة شعبية، أو حزب، أو ميليشيا خاصة به، لا يشكّل خطراً يهدد أياً من قادة الأحزاب وبالتالي نظام المحاصصة، مما يجعله مرشح تسوية مثالياً (على غرار برهم صالح).هل الإصلاح ممكن؟قاد نظام المحاصصة والنخبة الحاكمة التي مكّنها العراق إلى أزمة مطوّلة، وإذا أراد صالح وعبدالمهدي أن يكونا عاملي إصلاح فسيواجهان مهمة صعبة، وفي كتاباته السابقة اقترح صالح إنشاء صندوق استثمار عراقي مستقل يوجه الموارد إلى مشاريع بنى تحتية جديدة بعيداً عن نظام المحاصصة، ولا شك أن العراق يحتاج إلى هيئات مستقلة مماثلة، لكنها أخفقت في الماضي لغياب الحماية من الفساد وقادة الأحزاب.بغية الدفاع عن الإصلاح في وجه مَن تقتضي مصالحهم عرقلته، ينبغي لصالح وعبدالمهدي بناء ائتلاف من الشركاء المحليين والدوليين، ونظراً إلى موقف السيستاني والتزامه بالإصلاح، يُعتبر دعمه مهماً، كذلك يبدو الشعب مستعداً للتحرك تأييداً للإصلاح: يتظاهر العراقيون في مسيرات ضخمة ضد المحاصصة والفساد منذ عام 2015، وقد يسعى صالح وعبدالمهدي أيضاً إلى إعادة بناء الزخم الذي ولّده مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق في شهر فبراير عام 2018 حين التزمت القوى الإقليمية والمجتمع الدولي بالمساهمة في إعادة إعمار العراق بغية منع نهوض "داعش" مجدداً. تعتمد الخطط التكنوقراطية التي ولّدت تفاؤلاً مماثلاً حيال هذه الحكومة الجديدة على عمل توازن صعب، فلا يستطيع صالح وعبدالمهدي توليد الاستقلال الذي تحتاج إليه خططهما والدفاع عنه إلا من خلال الحشد الشعبي، متصدين لنفوذ قادة الأحزاب ببناء حركة شعبية ضرورية للإصلاح، وفي المقابل تشكّل هذه الخطوة خطراً مباشراً وخطيراً يهدد القوى ذاتها التي أوصلت أخيراً الرئيس ورئيس الوزراء كليهما إلى السلطة. * توبي دودج*«فورين أفيرز»
مقالات
هل من أمل للإصلاح في العراق بعد الانتخابات؟
24-10-2018