عين العقل ألّا يتأثر الرئيس محمود عباس (أبومازن)، الذي هو مناضل بالأساس، وأحد الأوائل الذين أطلقوا شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة في عام 1965 وطليعتها حركة "فتح"، بـ "زعبرات" الذين أمضوا ما فات من أعمارهم على رصيف بعيد عن فلسطين وقضيتها، فهناك دائماً وأبداً من يصفهم البعض بأنهم يرافقون سير القافلة بالصراخ و"العواء"، وحقيقة أن الثورات وحركات التحرر بقيت تواصل سيرها، ولا تتأثر إطلاقاً بالمزايدين وتجار الكلام الفارغ.إنه موقف حكيم وشجاع ألا يُقْدم أبومازن على خطوة الانسحاب من اتفاق أوسلو، فهو بفطنته الراجحة وباتساع أفقه السياسي وتجربته الثورية الغنية الطويلة، أدرك أن التفريط بهذه الورقة الآن، وفي هذه المرحلة التي هي في غاية الدقة والصعوبة، سيكون خطأً فادحاً، وخسارة كبيرة، وأن الإسرائيليين ومعهم كثيرون سيبادرون، كالعادة، إلى وصف الفلسطينيين بأنهم "ضياعو" فرص في اللحظات الحاسمة، ووصف الشعب الفلسطيني بأنه يظهر غير ما يبطن، وأنه لا يريد سلاماً ولا حلاً سلمياً، وأن مطلبه الحقيقي الذي يتمسك به هو: "إمّا كل شيء، وإما لا شيء"!
إنَّ ما يعزز ضرورة المزيد من الإمساك بورقة أوسلو هو أنه طرأت في الأيام الأخيرة مستجدات إيجابية، بالنسبة إلى ما سمّي "صفقة القرن"، وأن هذا الموضوع قد انتقل من يد غاريد كوشنر إلى يد أحد القادة اليهود المؤثرين والكبار، وهنا فإنني أعتذر عن ذكر اسم هذا القائد وموقعه القيادي ومدى تأثيره على الرئيس دونالد ترامب وبعض كبار القيادات اليهودية، وهذا يستدعي أن تكون هناك مرونة فلسطينية حقيقية، ولكن مع عدم التفريط بأيّ من الأساسيات، والانتقال من هذا الخندق إلى خندق جديد يعزز الانتقال إليه القناعة المستجدة لدى المعنيين الأميركيين واليهود.وهكذا، فإنه لابد من تأكيد أن تشدد الرئيس أبومازن، بمساندة بعض العرب، قد أثمر بالفعل، وأنه ما كان من الممكن أن يكون هناك هذا المتغير الفعلي والواعد حقاً، لولا أن هذا التشدد العقلاني الذي تجلّى في عدم التخلي عن ورقة أوسلو، ولولا أن إيجابية التعاطي الفلسطيني مع عملية السلام قد أقنعت قيادات يهودية فاعلة ومؤثرة بضرورة إعادة النظر بـ "صفقة القرن" هذه، وضرورة إعطاء القيادة الفلسطينية، ولو الحد الأدنى مما يعزز قناعتها بالعملية السلمية، وعلى أساس حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، ومع التفاهم مع هذا الطرف اليهودي... وأيضاً مع الإدارة الأميركية، على بعض المتغيرات، التي لا تؤثر على ما يسعى إليه الشعب الفلسطيني.إنها فرصة حقيقية لا بد من التمسك بها، ويجب عدم إضاعتها بالاستماع إلى مزايدات المزايدين، فلسطينيين وعرباً، والمؤكد أن أبومازن، القائد والمناضل والرئيس الذي يحمل على كتفيه أمانة تاريخية، يعرف كثيراً، أكثر من غيره، أنه يجب التقاط أي إيجابية مهما كانت صغيرة، والبناء عليها؛ للخروج من كل هذا الاستعصاء، الذي تواصل كل هذه السنوات الطويلة، حيث قد زاد الطين بلَّة، كما يقال، أن "حماس" لم تتق الله في شعب من المفترض أنه شعبها، وأنها بادرت في أكثر اللحظات خطورة بالمسيرة الفلسطينية الطويلة والمكلفة إلى افتعال هذه الثنائية القيادية، ووضعت في أيدي عتاة التطرف الإسرائيلي ذريعة لعرقلة هدف إقامة دولة فلسطين المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى كل الأراضي التي احتلت في عام 1967.
أخر كلام
فلسطين... بصيص ضوء!
24-10-2018