تسبب د. سيد القمني، المثير للجدل، في إحداث ردود فعل غاضبة على نطاق واسع في مصر، بعد حديث له على إحدى القنوات الفضائية، أخيراً، شكك خلاله في توحيد الملك مينا، المشهور تاريخياً بـ«موحد القطرين»، وجهي مصر العلوي والسُفلي. وذكر في حديثه إن صلاية الملك مينا، المعروف أيضاً باسم نارمر أو نعرمر، لا تدل على توحيد القطرين، ولم تكن لتسجيل حربه لتوحيد القطرين، وإنما تشير إلى حرب بينه وبين بدو سيناء.واستدل القمني على كلامه بصور من الصلاية ومشاهد مسجلة عليها، إذ تُظهر الملك مينا وهو يقبض على رأس رجل ويضربه بعصا يمسكها بيده. وأوضح المفكر أن المضروب هنا بدوي وليس مصرياً، فكيف تكون الصلاية لتسجيل توحيد القطرين المزعوم، على حسب وصفه.
في المقابل، ردت مديرة المتحف المصري صباح عبدالرازق، على كلام القمني بأن «لكل واحد وجهة نظره التي نحترمها، ولكن ما قيل عار تماماً عن الصحة، وليس ثمة دليل واحد على هذا الكلام».وتابعت عبدالرازق في تصريحات لها: «لصلاية الملك مينا وجهان، الأول يظهر فيه مرتدياً تاج الوجه القبلي، والثاني يظهر مرتدياً تاج الوجه البحري بعد انتصاره على مملكة الشمال وتوحيد مصر. كذلك يظهر في الصلاية حيوانان أسطوريان يربط عنقيهما بحبل واحد، وهو أحد رموز التوحيد، والمراجع وآراء علماء الآثار تؤكد ذلك، وهو توحيد القطرين على يد الملك مينا، ولا دليل على ما يخالف ذلك».
أدلة تارخية
الدهشة حلَّت على وزير الآثار المصري الأسبق زاهي حواس، الذي عقب على تصريحات القمني قائلاً: «تشير الأدلة العلمية والتاريخية إلى أن الملك مينا هو موحد القطرين، وأي كلام مخالف لذلك عبث»، مضيفاً: «الملك مينا وحَّد مصر العليا والسفلى، وما قيل على لسان د. المقني غير صحيح، فهو لم يدرس الآثار ولا تاريخ الحضارة المصرية القديمة، ومعلوماته حولهما ضئيلة جداً».في السياق ذاته، قال المؤرخ والمرشد السياحي الحر بسام الشماع لـ«الجريدة»: «كلام القمني لا يستند إلى أي أصل علمي»، موضحاً: «صلاية الملك نعرمر (مينا) حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كان القول حولها ثابتاً ولم يشهد تفسيرها أي جدل، وهو أنها ترمز إلى توحيد القطرين (الشمال والجنوب) على يد الملك نعرمر، ولم تكن تُرى في غير هذا الإطار».وتابع الشماع: «بعد حقبة الثمانينيات ظهرت نظريات أخرى حول الصلاية، فبعض العلماء قال إن ما جاء فيها قد يكون مشاهد تحذيرية، وذهب آخرون إلى أنها مشاهد رمزية تشير إلى قوة الملك ولا تشير إلى معركة حقيقية على أرض الواقع.وبحسب المؤرخ المصري فإن الصلاية تمثل الملك نعرمر وهو يقبض على أسير حرب ويهم بضربه بالمقمعة، والأسير ملتح، وإلى جانبه حرفان بالهيروغليفية: «ور» و«ش»، والأول يعني رمح والثاني حوض مياه، ووجود الإله حورس في الصلاية وبيده حبل يخرج من أنف الأسير، والحبل رمز يشير إلى سحب الحياة من الأسير. وثمة تفسير آخر أنه يقود الأسير من أنفه، كما توجد ست زهرات من نبات البردي وزهرة البردي تعني الرقم 1000، ما يعني أن حورس قبض على ستة آلاف أسير.وأشار إلى أن الصلاية ذات وجهين، «الأول يمثل الملك نعرمر وهو يرتدي التاج الأبيض (تاج الجنوب)، وفي الوجه الآخر يرتدي تاجاً أحمر (تاج الشمال)، ويشير ذلك إلى أنه هيمن على الشمال (مصر السُفلى)، ما يؤكد التوحيد الذي قام به»، لافتاً إلى أن «التفسيرات كافة لم تشر إلى اسم سيناء، وربما ثمة إشارة إلى الفن الآسيوي بسبب الحيوانين الأسطوريين الموجودين على الصلاية، وربما كان الشمال محتلاً من قبائل ليبية أو آسيوية وطُردت». واستبعد الشماع ذهاب نعرمر حاجاً إلى سيناء، وقال: «إذا افترضنا صحة ذلك فهذا يعني أن الملك كان يعرف إله موسى عليه السلام، وهذا غير صحيح لأن في الصلاية ربين من أرباب قدماء المصريين الأسطورية، وهما حورس والربة بات البقرية الموجودة أربع مرات أعلى وجهي الصلاية، وعرفت في ما بعد باسم حتحور.الصلاية... مِن مستحضرات التجميل إلى تسجيل الحوادث
هي لوحة حجرية مصنوعة من حجر الشست، في عصر ما قبل الأسر الحاكمة، وكانت تستخدم لطحن الأحجار وتحويلها إلى مستحضرات تجميل، مثل الكحل الذي كان يستخدم في تجميل العيون وحمايتها من أشعة الشمس، وكان للصلاية وجهان، يحتوي الخلفي منهما على تجويف ويستخدم في عملية الطحن. بعد ذلك، استخدمت في تسجيل وإحياء الحوادث المهمة، كانتصار الملوك ومشاهد الصيد وتأسيس المدن الجديدة. وبحسب مصادر متخصصة في الآثار، فإن سُمك صلاية الملك مينا 2.5 سنتمتر، ويصل طولها إلى نحو نصف متر.