بعد خمسة أشهر على الانتخابات التشريعية في العراق، التي انبثق عنها برلمان مشتت، تسلم رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، أمس، مهامه من سلفه حيدر العبادي بمراسم هادئة، وذلك غداة أدائه اليمين الدستورية بحكومة ناقصة بعد موافقة البرلمان على 14 وزيراً من أصل 22 بعد ترحيل التصويت على حقائب وزارية أمنية.

وخلال حفل التسلم والتسليم، قال عبدالمهدي، إن "العراق ضرب أروع صورة للتداول السلمي للسلطة في العالم"، مضيفاً أن "هدفنا في المرحلة اللاحقة هو تحقيق العيش الكريم للشعب الذي عانى طويلاً وآن له أن يقطف ثمار صبره وتضحياته".

Ad

من ناحيته، قال العبادي إن "الحكومة السابقة رسمت علاقات خارجية جديدة للعراق"، مؤكداً أنه سيكون "سنداً وعوناً" لعبدالمهدي لإنجاح مهمته. وترأس عبدالمهدي الاجتماع الأول للحكومة واضعاً مهلاً زمنية محددة لتنفيذ البرنامج الحكومي.

حكومة ناقصة

وقبل حوالي 5 أيام من الموعد الدستوري لتقديم تشكيلته الوزراية، تمكن عبدالمهدي (76 عاماً)، المستقل غير الحزبي، من إقناع البرلمان المتعدد المشارب من التصويت لمصلحة 14 وزيراً، بينهم وزراء الخارجية والمالية والنفط، بموافقة 220 نائباً حضروا الجلسة المسائية من أصل 329 عضواً.

ولم يقدم عادل عبدالمهدي الذي يعد من الشخصيات التوافقية النادرة في البلاد ويتعرض لضغوط الولايات المتحدة وإيران، البلدين المتعادَين، إلا جزءاً من تشكيلة حكومته لأنه واجه معارضة عدد من أعضاء البرلمان لبعض مرشحيه، وخصوصاً لحقيبتي الداخلية والدفاع الأساسيتين في بلد يخرج من حرب استمرت ثلاث سنوات ضد الجهاديين. لكنه تمكن من الحصول على الموافقة على برنامجه الحكومي في تصويت برفع الأيدي. ويفترض أن يتم التصويت على منح الثقة للحقائب الوزارية الأخرى في البرلمان في السادس من نوفمبر المقبل.

مستقلون

واختار عبدالمهدي لحقيبة الكهرباء لؤي الخطيب الباحث المعروف في مجال الطاقة بينما سيتولى ثامر الغضبان وزارة النفط، المنصب الذي شغله بين 2004 و2005، كما تم ترشيحه لمنصب أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

واختار عبدالمهدي لوزارة الخارجية محمد علي الحكيم السفير السابق للعراق في الأمم المتحدة ويعمل في وكالة الأمم المتحدة للتنمية. والحكيم قريبٌ بعيد لرئيس تيار الحكمة عمار الحكيم وليس لديه انتماء حزبي له علاقات وطيدة مع واشنطن.

وهؤلاء الوزراء الثلاثة من بين مستقلين كثراً ضمتهم تشكيلة عبدالمهدي الجزئية. وقال مصدر عراقي في بغداد إن 4 وزراء فقط من أصل الـ 14، معروفون بانتمائهم الحزبي الصريح، مضيفاً أن الوزراء ليسوا من التكنوقراط المعروفين واصفاً إياهم بأنهم موظفون تنفيذيون بخبرات متوسطة أو جيدة. وأضاف المصدر العراقي لـ "الجريدة" أن الثغرة البارزة في هذه التشكيلة هو غياب أي وزير متحدر من محافظة البصرة الجنوبية أغنى محافظات البلاد بالنفط وأقلها بالخدمات، والتي تعاني أوضاعاً مزرية بسبب سوء الإدارة.

«الداخلية»

وأشار المصدر العراقي الى أن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر "نجح في اسقاط مرشح ايران لوزارة الداخلية فالح الفياض" وطير نصاب الجلسة، بهدف إجراء مزيد من المشاورات، خصوصاً أن قاسم الأعرجي الذي كان يتولى الداخلية في عهد العبادي ينتمي إلى "منظمة بدر" بزعامة هادي العامري الذي يرأس كذلك "كتلة الفتح" ثاني أكبر كتلة في البرلمان.

«المالية» للبارزاني

وعهد بحقيبة المالية إلى فؤاد حسن الذي كان مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب رئيس الجمهورية والمقرب من زعيم حزبه مسعود البارزاني مهندس الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن باقي مناطق العراق.

ويمثل تولي حسن المنصب، مؤشراً إيجابياً لإقليم كردستان وللبارزاني الذي يعيش أزمة أقتصادية حادة بسبب التوتر بين بغداد إربيل وخلافات حول الميزانية المخصصة للإقليم الذي يعيش حكم ذاتي منذ عام 1990.

وكانت حقيبة المالية بعهدة البارزاني قبل إبعاد الوزير السابق هوشيار زيباري عنها خلال ولاية رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

تحديات

وتواجه الحكومة التحدي الهائل الذي تمثله إعادة إعمار بلد دمرته معارك استمرت ثلاث سنوات، لطرد تنظيم "داعش" من مناطق في شمال وغرب البلاد. كما سيكون عليها معالجة آثار الاحتجاجات التي تصاعدت وشهدت أعمال عنف في بعض الأحيان ، في بلد يعد الدولة الـ 12 الأكثر فساداً في العالم، للمطالبة بالخدمات العامة بينها معالجة البطالة والكهرباء والتي أدت لتعرض ما لايقل عن مئة ألف شخص لحالات تسمم في محافظة البصرة النفطية، في جنوب البلاد.

ووسط ارتفاع الميزانية مع تصاعد أسعار النفط الذي يعد المورد الرئيسي للبلاد، سيكون على الحكومة مواصلة المفاوضات الجارية مع شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية، بدعم الإدارة الأميركية، وشركة "سيمنز" الألمانية لإعادة شبكة الكهرباء التي تعاني نقصاً حاداً في الطاقة.

وسيواجه عبدالمهدي المهمة الشاقة المتمثلة بتهدئة العلاقات مع إقليم كردستان العراق الذي صوت قبل عام على الانفصال. ودانت بغداد والأسرة الدولية هذا الاستفتاء الذي أدى إلى سلسلة من التدابير الانتقامية التي ترتدي طابعاً اقتصادياً خصوصاً من بغداد. وتواجه الحكومة أيضاً مهمة مواصلة الجهود لتأمين استقرار الأوضاع الأمنية في المناطق التي استعادتها القوات العراقية من الجهاديين الذين لا يزالون يشنون هجمات متكررة.

وتمثل عودة الاستقرار الأمني أمراً أساسياً لنحو 1.9 مليون عراقي ما زالوا يعيشون في مخيمات النازحين، ولم يتمكنوا من العودة الى مناطقهم، سواء خوفاً من هجمات الجهاديين أم بسبب الدمار الذي أصاب منازلهم.

واشنطن

وهنأ مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، بريت ماكغورك عبدالمهدي على أدائه اليمين وخص وزراء النفط والكهرباء والمالية والخارجية بالإشادة، مضيفاً: "هؤلاء مرشحون استثنائيون لمساعدة العراق على التعافي السريع".