الاختلاف أصل الوجود، والاختلاف سنة الحياة، نراه من حولنا في ذلك التنوع الهائل من أنواع الطيور والزهور والأشجار ومختلف أشكال الحياة الأخرى، إذاً لماذا نستنكره على الإنسان؟فالكائن البشري يفترض أن يكون أكثر تمايزاً وتفرداً وذلك بسبب وجود الوعي والإرادة الحرة التي تعطيه اختيارات وسبلا لا نهاية لها في كيفية عيش حياته، فلماذا نُصر على قولبة البشر وتقنين هذه الخيارات ضمن دائرة ضيقة يصعب التحرك داخلها؟
الاختلاف والتفرّد قيمتان عليوان لدى الشعوب المتقدمة، فتراهم يحترمون– بل يقدسون- الحرية الشخصية، ويقدرون المتميز من المفكرين والمبدعين، فما بالنا نطاردهم في ديارنا؟ وما بالنا نهاجم ونطمس الاختلاف والتنوع على جميع الصعد من فكر وسلوك، بل حتى من مظهر خارجي؟إن التفرّد والتفكير المستقل هما ما يأتيان بنا بالأفكار المبدعة الجديدة التي يمكنها أن ترتقي بالإنسانية أجمع، فالعظماء الذين خلّدهم التاريخ من علماء وفنانين وأدباء جميعهم سمحوا لأنفسهم بالاستقلالية والتفرد، وأن يكونوا ذوي رؤية بعيدة وعميقة لا يراها ذلك الإنسان المقولب التابع. لكن التفرد والاختلاف لا يعنيان العزلة، بل المحافظة على روح الفريق والقدرة على التعاطي مع الآخر دون أن يفسد اختلافنا من الود قضية، حيث يمكننا جميعاً العيش بسلام، فما أبعد الشعوب العربية عن ذلك! والتفرد الحقيقي ليس اختلافاً لمجرد الاختلاف، بل هو أصالة وتواصل حقيقي مع الذات.نعيش في هذه الأيام أزمة تفرد في زمن وسائل التواصل الاجتماعي و»الفاشنيستات» والتافهين، فقد أصبح الكثير على أتم الاستعداد أن يطمسوا ذواتهم في سلوك أشبه ما يكون بانتحال شخصية أخرى، كل ذلك من أجل الحصول على القليل من الاهتمام. هي أزمة عمق في باطنها، فكفانا تخبطاً وكفانا سطحية، فقد سئمنا الهوس بالكماليات وإهمال جوهر المعنى.لذا لا تخجل من كونك مختلفاً، بل كُن فخوراً بشجاعتك على أن تكون نفسك في عالم النسخ الكربونية. غذِ نفسك بما يفيدها من شغف وجمال وإنتاجية في رحلتك للبحث عن رسالتك في هذا الوجود، وأحط نفسك بمن يدعم ويشجع نموك. ارجع إلى ذاتك المتميزة، فهي تنتظرك بفارغ الصبر هناك، في أعماق قلبك. واسمح لنفسك ببساطة أن تكون!* «كلما وجدت نفسك تميل إلى رأي الأغلبية، تمهل قليلاً وأعِد حساباتك». (مارك توين)
مقالات - اضافات
أزمة تفرّد
26-10-2018