إذا كان هناك بالفعل تحول "إيجابي" في الموقف الأميركي، موقف دونالد ترامب تحديداً، تجاه حل القضية الفلسطينية والتخلي عن القناعات السابقة لحساب قناعات جديدة وإجراء تعديل جوهري على "صفقة القرن" التي لا يُعرَف منها إلاّ مجرد تكهنات وتصورات عامة، فإن هذا يعني أنه بالإمكان التفاؤل ولو في الحدود الدنيا بإنهاء هذا الصراع التاريخي، خصوصا إذا تحقق للشعب الفلسطيني قيام دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.وبالطبع فإنه لا ثقة مطلقة ولا غير مطلقة لا بالرئيس ترامب ولا بإدارته الجمهورية (الإنجيلية) وأيضاً ولا بالولايات المتحدة ثم إنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار وفوراً ردّ فعل بنيامين نتنياهو على ما بات يصدر عن واشنطن في هذا الاتجاه ومسارعته إلى الإعراب عن استعداده لقبول استقلال فلسطين شريطة أن يكون "أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي"، وحيث قد رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) على الفور بالتأكيد على تمسك الفلسطينيين بدولة مستقلة وعدم قبولهم لا بـ "كيانات" ولا بحكم ذاتي.
والمشكلة هنا أنه بات معروفاً أن الرئيس ترامب لا يثبت على أي موقف وأنه يقول كلاماً في المساء ويتخلى عنه في الصباح، هذا بالإضافة إلى أن أولياء نعمته السياسية "الإنجيليين" أكثر صهيونية من عتاة الحركة الصهيونية وأنهم هم الذين يديرونه ويتحكمون بكل مواقفه وتوجهاته الفعلية الداخلية والخارجية، والقرار هو قرارهم عندما يتعلق الأمر بالصراع في الشرق الأوسط وتحديداً بالقضية الفلسطينية.وعليه فإن من حق (أبومازن) ألا يثق بما نسب إلى ترامب وأن يرفض حكاية "الاستقلال الفلسطيني الأقل من دولة والأكثر من حكم ذاتي" التي تحدث بنيامين نتنياهو عنها، فالرئيس الفلسطيني صاحب تجربة طويلة في هذا المجال، وهو مهندس (أوسلو) من الجانب الفلسطيني، ومن حقه أن يبادر إلى القول، بعدما سمع تصريح نتنياهو هذا الآنف الذكر، إنه سيكون في حلٍّ من كل الاتفاقات مع الإسرائيليين والأميركيين ماداموا لم يلتزموا بهذه الاتفاقات.ولعل ما أضعف ويضعف الموقف الفلسطيني أنَّ أحوال العرب الراهنة "لا تسر الصديق ولا تغيظ العدا"، وأنه عندما تغيب حتى القمة العربية بينما تجري كل هذه المصائب التي تشهدها هذه المنطقة وفي قلبها فلسطين والقضية الفلسطينية فإنه غير مستغرب أن نرى كل هذا الذي نراه وأن نسمع من نتنياهو هذا الذي سمعناه والذي بقينا نسمعه من الإسرائيليين والأميركيين على مدى كل هذه السنوات الطويلة... وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإيجابية الوحيدة التي فرضت نفسها في السنوات الأخيرة هو أنه أصبحت هناك صحوة ضمير بالنسبة للأوروبيين تجاه هذه القضية، إنْ دولاً وإنْ شعوباً، كما أن الأنشطة الفلسطينية قد حققت نجاحات وإنجازات فعلية على الصعيد الأوروبي وأيضاً على الصعيد العالمي، والصوت الفلسطيني بات مسموعاً إنْ في أوروبا وإن في الغرب كله... لكن هذا إنْ كان إيجابياً وأكثر من جيد، فإنه بالتأكيد لا يمكن اعتباره كافياً في ظل غياب العرب وانعدام الحاضنة العربية الفعلية.
أخر كلام
مستجدات إيجابية... ولكن!
26-10-2018