في النمسا عُقد مؤتمر للفلاسفة وعلماء النفس عام 1911، وقد حضرته أكثر الأسماء الكبيرة في أوروبا، ومن بينهم الفيلسوف ريلكه، وسيغموند فرويد، الذي دخل القاعة متوكئاً على ذراع تلميذه إدلر.• ولما أُعطيت الكلمة له تحدَّث فرويد عن نظريته في العقل الباطن، والتي قُوبلت من الكثيرين بين القبول والرفض في مناقشات امتدت إلى ساعات.
***• ولما انتهت الجلسة أخذ الحضور يتفرَّقون في قاعة الشاي، وكان فرويد انفرد في زاوية، بعيداً عن الأنظار، فأقبلت نحوه سيِّدة تتوثب خفة وحيوية، وهي على قدر كبير من الجمال، بصحبة تلميذه إدلر، الذي بادره بالقول:- اسمح لي يا دكتور أن أقدِّم لك السيدة لواندرياس، التي ترغب في التحدث إليك.فرحَّب بها فرويد، وقال:- ما الذي أستطيع أن أقدِّمه لك يا سيدتي؟- أولاً أريد أن أُبدي كل ما في قواميس اللغة من إعجاب، ثم لي عندك رجاء، وهو أن تدرِّسني علم التحليل النفسي، وأنا على استعداد لأن أُكرِّس لك كل لحظة من حياتي.- سيدتي، ليس باستطاعة أحدٍ، مهما كان عبقرياً، أن يقتحم غابات العقل الباطن الشائك بالغموض في أيام معدودات، فلن تستطيعي دراسة التحليل النفسي يا سيدتي.- معك أستطيع كل شيء... اقبلني تلميذة لك، وسألتهم كل كلمة من كلماتك، وأستوعب كل رأي من آرائك.- يا سيدتي، ليس لديَّ من الوقت ما يسمح لذلك، فما أكثر الأشياء التي يجب عليكِ الخوض فيها، فضلاً عن أن تتعلميها، فالوقت لن يُسعفك لسوء الحظ.- أرجوك يا دكتور... لا تطردني بهذه البساطة، إنني لستُ مبتدئة في هذا العلم، أرجوك أن تستمع لي.***• وفي جرأة أثارت مرح العالم الكبير، أخذته من يده إلى مقعد بالحديقة، وجلسا، وأخذت لواندرياس تتكلم في مواضيع وأمور كثيرة أذهلت فرويد، بما تختزنه من محصول معرفي وثقافي، وتحديداً في الفلسفة وعلم النفس والتاريخ والشِّعر. كان يستمع إليها وهو يتأمل وجهها الجميل في معظم الوقت، ودوَّن في مذكراته:"إنها حرَّكت في صدري رغبات طافحة تخطت كل سنوات حطام الشيخوخة، التي حالت بيني وبين الكثير من قدراتي، فأصابتني رعشة الخوف من هذه المشاعر المتدفقة، فطلبتُ منها الإذن، ودخلتُ صالة المؤتمر، فلقيت إدلر، الذي كان ينتظر مني مبادرة الحديث عنها، فقلت له:- مذهلة هذه السيدة... ماذا قلت لي اسمها؟- لواندرياس.- الاسم ليس غريباً على أذني... أليست هي التي... أعني، ألم تكن صديقة لنتشه؟!- نعم يا دكتور فرويد، الفيلسوف نتشه، والشاعر ريلكه، وبول ريه، كما أنها اتصلت لبعض الوقت بالموسيقار فاغنر وتولستوي، والقائمة طويلة.- أجل... أجل... الآن تذكَّرت، إنها امرأة خطيرة حقاً. والآن، وبعد أن وصلت إلى هذه السن تريد بجمالها أن تقتحم حياتي، لتضمَّني إلى مقتنياتها السابقة من المشاهير!- ولمَ لا يا دكتور؟- أليست هي التي أودت بحياة نتشه؟- نعم، كانت أحد أسباب موته.- ألم ينتحر من أجلها الشاعر إلوار؟- أجل يا دكتور.- وربما بسببها هجر تولستوي زوجته، ليلقى حتفه في محطة قطار نائية.- كيف تجمَّعت في ذاكرتك كل هذه المعلومات عنها يا دكتور؟- وماذا تريد مني أن أفعل والطاعون الأنيق المثير أخذ يداعب مخيلتي ويحيطني وأنا أنظر إلى جمالها الفتاك. اسمع يا إدلر، أظنك في السن التي يليق بك ألا تفرِّط فيها.- شكراً يا دكتور فرويد، صحيح هي جميلة ومثيرة، لكنني لا أريد أن ألحق بمن قتلهم جمالها.
أخر كلام
امرأة تعشق الفلاسفة!
27-10-2018