خيَّم الحزن على عشاق التاريخ الفرعوني وآثار الحضارة المصرية، في أعقاب تنظيم حفلتين داخل معبدين أثريين. حتى أن مدونين على مواقع التواصل الاجتماعي علقوا على الواقعتين بأن «ما يحدث من حفلات في هذه المواقع الأثرية إهانة واضحة لتاريخ أجدادنا الفراعنة ومزعج لهم».إحدى الحفلتين زفاف لعروسين من أبناء رجال الأعمال أقيم داخل أروقة معبد الكرنك في مدينة الأقصر، الأسبوع الماضي. لذا طالب أهالي المدينة بتحويل جميع العاملين في الآثار إلى التحقيق في هذه الواقعة التي وصفوها بـ«الفظيعة»، كونها تهين مكاناً له أهميته التاريخية والأثرية، ولا يجوز بأي حال أن يكون لإقامة الحفلات والرقص.
تُقام حفلات من هذا النوع عادة في مكان بعيد نسبياً يطل على المعبد، في مقابل مادي تحصل عليه وزارة الآثار، كنوع من تنمية الموارد، ولكن صوراً التقطت للحفلة ونشرها مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي كشفت إقامة الحفلة بين أعمدة المعبد الفرعوني نفسه.منسق اللجنة الشعبية لدعم ومناصرة القضايا الوطنية في الأقصر، محمد صالح، عبَر عن استيائه مما حدث، وقال إن تنمية الموارد لا تعني تحويل المعابد والمناطق الأثرية إلى «ساحات أفراح»، مشيراً إلى أنه اعتاد رؤية الحفلات في الساحات المواجهة للمعابد، أو بعيداً عن المعالم الأثرية بالمعابد، كما يحدث في معبد الأقصر، حيث تقام حفلات عشاء فوق ربوة تطل على المعبد وليس بين أعمدته.في السياق، طالب مستشار غرفة شركات السياحة في الأقصر، ثروت عجمي، بالتحقيق في واقعة موافقة وزارة الآثار على إقامة حفلة عشاء وعقد قران بحضور أكثر من 300 شخص داخل معبد الكرنك، واصفاً ما حدث بأنه «مهزلة» وطالب باتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم تكرار الواقعة، رافضاً أن تكون تنمية موارد وزارة الآثار عبر تحويل مناطقها الأثرية إلى صالات أفراح ومطاعم ليلية.في المقابل، قال مدير عام آثار الكرنك، مصطفى الصغير، إن حفلة الزفاف التي أقيمت داخل معبد الكرنك نُفِّذت وفقاً لموافقة وزير الآثار خالد العناني، والجهات الأثرية والأمنية المختصة، مؤكداً أنها لم تخرج عن الأعراف، ولم تشتمل على موسيقى صاخبة على عكس ما أشيع. ولكن صوراً ومقاطع فيديو نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كذَّبت كلام الصغير، إذ أظهرت إجراء مراسم زفاف كامل داخل المعبد الفرعوني، شملت موائد طعام وموسيقى وإضاءات.رسمياً، قرر الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مصطفى وزيري، اتخاذ الإجراءات اللازمة ومن بينها إحالة مفتشي الآثار المشرفين على الحفلة إلى التحقيق، وتحرير محضر في شرطة السياحة والآثار ضد الشركة المنظمة، مؤكدة أنها خالفت الموافقة الرسمية التي حصلت عليها من وزارة الآثار، والتي نصت على إقامة عشاء كما هو متبع وليس عقد قران، كذلك سيتم وقف التعامل معها تماماً.
الصوت والضوء
واقعة شبيهة تكررت بعد أيام ولكن هذه المرة في معبد «فيلة» بمدينة أسوان، إذ شهدت ساحته عشاء بمناسبة عقد قران نجل أحد كبار رجال الأعمال، حضرته نخبة من الشخصيات العامة ونجوم الفن، وفي مقدمهم جمال مبارك، نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، وزوجته خديجة الجمَّال، ويسرا، وشريهان، والمخرجة إيناس الدغيدي، ورجل الأعمال سميح ساويرس.أكد مسؤولو الآثار أن الحفلة التي أقيمت في المعبد لا تعدو عن كونها حفلة عشاء من دون أية موسيقى صاخبة، أو رقص، أو غناء تضر بالأثر، لافتين إلى أن مثل هذه الحفلات تقام خارج المنطقة الأثرية تماماً لضمان الحفاظ عليها، وهي منطقة مدرجات الصوت والضوء.وقال مدير عام منطقة آثار أسوان والنوبة، عبدالمنعم سعيد، إن الموقع المخصص لإقامة العشاء غير أثري، تقام فيه حفلات العشاء بصفة دورية، وحجز من خلال التواصل مباشرة مع وزارة الآثار في القاهرة، موضحاً: «ثمة عقد مبرم مع الشركة المنظمة للحفلة يتضمن توقيع صاحب الشركة وصاحب الحفلة على الالتزام بالمكان المخصص داخل المعبد، مع عدم إقامة أي مراسم خلاف العشاء، ومنع التجول داخل المعبد ليلاً، والالتزام بتركيب أضواء باردة، لضمان عدم تاثيرها المباشر في الأثر».التصريحات التي أطلقها المسؤولون لم تهدئ من روع الغاضبين، خصوصاً العاملين في مجال الآثار، إذ قال مرشد سياحي (طلب عدم ذكر اسمه) إن هذه التصرفات تقلل من شأن آثارنا في عيون الأجانب ومعلوم أيضاً أن الأصوات العالية والإضاءات تؤثر سلباً في المواقع الأثرية، مضيفاً لـ»الجريدة»: «ما يحدث يعكس جهلاً شديداً من المسؤولين الذين يفترض أن يكونوا هم حراس الآثار والحضارة».