«هيرقليون»... متحف للآثار الغارقة في مياه الإسكندرية
20 ألف قطعة ترقد في قاع البحر وأميركا تعرض التماثيل المُنتَشلة
لا يزال المصريون يحلمون بإنشاء أول متحف للآثار الغارقة في قاع البحر المتوسط قبالة شواطئ الإسكندرية، منذ اكتشاف مدينتين تاريخيتين تحت الماء قبل نحو 20 عاماً، وعلى الرغم من الإعلان عن المشروع وقتذاك فأنه توقف في أعقاب ثورة يناير 2011، لأسباب مادية إذ يتكلف نحو 120 مليون يورو بحسب خبراء مختصين.
لا شك في أن كمية وروعة التماثيل والقطع الأثرية المُكتشفة في قاع البحر قبالة الشواطئ المصرية تعد بمنزلة متحف طبيعي للآثار تحت الماء، ولكن تجدَّد الحديث أخيراً عن حلم تشييد متحف لها، تزامناً مع إعلان الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري، مصطفى وزيري، افتتاحه خلال الأيام المقبلة «معرض أسرار مصر الغارقة» في محطته الثانية في مدينة مينيابوليس بالولايات المتحدة الأميركية، موضحاً أن المحطة الأولى للمعرض أقيمت في ولاية سانت لويس، مارس الماضي، وزاره 113 ألف شخص خلال الأشهر الستة الماضية.يضمّ المعرض 293 قطعة أثرية كانت انتشلت بشكل أساسي من مدينة «هيرقليون» ومدينة أخرى اسمها «كانوبوس» في الميناء الشرقي للإسكندرية وميناء أبوقير، وتضم الآثار تماثيل ضخمة للإلهين إيزيس وسيرابيس وتماثيل لأبي الهول.يُذكر أن منظمة «اليونسكو» قررت قبل سنوات وبالتعاون مع الحكومة المصرية، إنشاء أول متحف في العالم يقع تحت سطح المياه لمشاهدة تلك الآثار الغارقة. ووضعت شركة أجنبية تصميماً رائعاً للمتحف الذي سيتكون من أربعة مبانٍ طويلة على شكل أشرعة مراكب نيلية متصلة ببعضها بعضاً على مساحة 22 ألف متر مربع، ومصطفة في شكل دائرة قطرها 40 متراً.
ويتكوّن المتحف من جزأين، الأول فوق سطح الماء يعرض الأجزاء التي انتُشلت، والآخر تحت سطح الماء ويمتد لمسافة سبعة أمتار لعرض الأجزاء التي لم تُنتشل. وسيتمكن الزوار من مشاهدة الآثار إما عن طريق الغوص أو من خلال السير داخل أنابيب زجاجية. ويتسع المتحف لثلاثة ملايين زائر سنوياً، وأُنجز التصميم منذ عام 2009 ولكن المشروع في انتظار التمويل، ومن المخطط أن يستغرق البناء ثلاث سنوات.
المدينة الغارقة
تقع هرقليون (أبو قير حالياً) في شمال شرق الإسكندرية، حيث يستكشف علماء الآثار المدينتين الغارقتين (هرقليون وكانوبوس) منذ عام 1992. وإلى جانب كونها مركزاً دينياً بارزاً، كانت المدينة نقطة تجارية رئيسية على البحر المتوسط في القرن السادس قبل الميلاد. المدينة الساحلية هرقليون كانت تسمى في زمن القدماء المصريين «ثونس» أو «تاهوني»، وكانت ميناءً مهماً لمصر على البحر المتوسط، ووُصفت بأنها «مدخل بحر اليونانيين»، بحسب ما ورد في لوحة لمستوطنة ناوكراتيس (مستوطنة يونانية قديمة في مصر القديمة) وُجدت عام 1899.عندما بدأ علماء الآثار الغوص في هذا الموقع في التسعينيات من القرن الماضي، اكتشفوا أطلال معبد هرقليون الذي كان مخصصاً للإلهين آمون وهرقل-خونسو، كذلك عثروا على تماثيل ضخمة للآلهة وللملوك البطالمة وزوجاتهم وآنياتهم وجواهرهم وعدد من السفن الخشبية المحطمة.ويُشار إلى أن المصادفة وحدها قادت إلى اكتشاف المدينة الغارقة، فقد كان عالم الآثار «فرانك جوديو» يبحث عن سفن حربية فرنسية قبالة السواحل المصرية تعود للمعركة التي نشبت على ضفاف نهر النيل في القرن الـ18، حين عثر بدلاً من ذلك على كنز المدينة المفقود.وعثر الغواصون بعد إزالة طبقات الرمال والطين على ثروات غير عادية ورسومات حول طبيعة الحياة في «هيرقليون». كذلك عثر علماء الآثار على بقايا أكثر من 64 سفينة دُفنت على بعد أربعة أميال في قاع البحر قبالة سواحل الإسكندرية.أما مدينة كانوبوس فهي المكان الذي يعتقد أن الإلهة إيزيس عثرت فيه على آخر جزء من جسد أوزوريس المقطع بوحشية. ويؤمن القدماء المصريون طبقاً لأسطورة إيزيس وأوزوريس أن الأخير قُتل على يد أخيه الحقود «سيث» الذي نثر الأجزاء المقطعة من جثة أخيه في سائر أنحاء مصر. وحسبما تقول الأساطير المصرية، نجحت إيزيس في العثور على القطع المنثورة ووضعتها في مزهرية وتم الاحتفاظ بها في مدينة كانوبوس.ويشهد هذا الموقع، الذي يزخر بمئات من آنية الأمفورا اليونانية والرومانية، على الصلات التجارية والوطيدة بين مصر والإمبراطورية الرومانية. ولا عجب فقد فتح الإسكندر المقدوني مصر عام 327 قبل الميلاد، وحكمها البطالسة حتى عهد كليوباترا، ثم احتلها الرومان عام 40 قبل الميلاد بعد هزيمة كليوباترا، وبقي الرومان في مصر حتى الفتح الإسلامي.أبرز القطع المعروضة في الولايات المتحدة
من بين أهم القطع تمثال صغير من البرونز لأحد الفراعنة، عُثر عليه في هيرقليون، ارتفاعه 20 سنتيمتراً، منحوت بدقة عالية. ويظهر الفرعون واقفاً ويرتدي التاج الأزرق والنقبة المعتادة (الشنديد الملكي) متخذاً وضع السير، وممسكاً بعصا في يده اليمنى.يُعتقد أن يكون التمثال لأحد ملوك الأسرة الثلاثين أو ربما هو الملك «بسماتيك الثاني» من الأسرة السادسة والعشرين، إلى جانب تمثال للإلهة «تاورت» من عصر الأسرة السادسة تظهر فيه على هيئة فرس النهر واقفة تستند إلى كفوف الأسد، وتميمة على هيئة عين حورس من العصر البطلمي.
اليونسكو قررت إنشاء المتحف والتصميم انتهى عام 2009 وفي انتظار التمويل