يوضح د. جوزف إلياس كحَّالة في مقدمة «هيغل ومراحل فلسفة علم الجمال» (ص20-19)، المنقولة أيضاً إلى الفرنسيّة (ص140) أنَّ كتابه ليس دراسة فلسفيَّة في فكر هيغل بقدر ما هو عرض «لعدد من الخطوط الأساسيَّة لفكره الفلسفيِّ المتعلِّق بفلسفة عِلم الجَمال». وإذ يضع الأمور في إطارها التاريخيِّ بدقَّة لافتة وتوضيح مختصر، وبعد حديثه عن هيغل ومؤلَّفاته وفلسفته، يعكف كحَّالة على تبيان «مراحل فلسفة عِلم الجَمال، بدءاً من الفكر اليونانيّ، مروراً بالعصور الوُسطى والفلسفة الشرقيَّة، وصولاً إلى الفيلسوف الألمانيِّ كانط، الذي سبق هيغل، وكان اضطلع بدور مهمّ في بلورة كثير من أفكار هيغل الفلسفيَّة.

يتحوَّل المؤلف بعد ذلك إلى فلسفة هيغل في عِلم الجمال فيفصّل فيها، فكرةً وعِلماً قائماً بذاته. وينتقل في فصل آخَر إلى مرحلة ما بعد هيغل، مشيراً إلى مَن تَلوه أو تأثَّروا به من فلاسفة في هذا الصدد.

Ad

يلي ذلك فصلٌ مستقلٌّ في فلسفة عِلم الجَمال في الفلسفتَين العربيَّة والإسلاميَّة، مع أهمّ آراء الفلاسفة والمفكِّرين العرب المسيحيِّين والمسلمين. ويختم بعدد من الآراء حول فلسفة عِلم الجَمال عند هيغل.

مفهوم الجمال

في التمهيد (ص27-21) يطلّ المؤلف على مفهوم الجَمال وعلى تحقُّقه في الشكل والسلوك والأهداف. وفي شرحه فكرة الجَمال لدى هيغل: (المثال، والعمل، والفنَّان) يوفَّق أيضاً في تفريقه بين الجَمال الفنِّيِّ الناتج من الإبداعات الإنسانيَّة، وهو ما درسه هيغل، وبين الجَمال الطبيعيّ. يقول د. كحَّالة: «يرى هيغل في فلسفة عِلم الجَمال حلقة ضروريَّة في مجموع العلوم الفلسفيَّة. وليس من الضروريِّ بلورة ما وراء الفنّ، بل الانطلاق من مملكة الجَمال وميدان الفنّ. وفي الحالة هذه يُستحسن إدراج فلسفة عِلم الجَمال في مجمل الفلسفة، لأنَّ الفنَّ هو أحد الأشكال الكلِّيَّة للعقل، أو غايته القُصوى. وما الفنُّ سوى خطوة سابقة في طريق العقل نحو الحقيقة (...)».

يتابع: «أمّا الجَمال فلا يتحقَّق، في أقصى درجاته، إلاَّ في الجَمال الفنِّيِّ، لأنَّه فكرة الإنسان التي تعبّر عن الوحدة المباشرة بين الذات والموضوع. وهذه الفكرة نابعة من الروح الإنسانيّة» (ص82-81).

أسماءُ يشهد لها التاريخ

في «هيغل ومراحل فلسفة عِلم الجَمال» أسماءُ يشهد لها التاريخ على امتداد الحقب استطلع كحَّالة أفكار أصحابها: فيثاغورُس، وإسخيلُس، وهيراقليطُس، وديموقريطُس، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وأفلوطين، وديكارت، وبومغارتن، وماير، وفنكلمان، وشيلينغ، وكانط، وشوبنهاور، وماركس، ونيتشه، وهيدغر، وكروتشه، ولوكاتش، وسارتر... والجرجانيّ، والتوحيديّ، وابن سينا، والفارابيّ، والغزّاليّ، وابن عربيّ، والربّاط، والحمصيّ، والعقّاد، ومطر... وفيه أيضاً نظرة إلى عِلم الجَمال في الفلسفات الصينيَّة واليابانيَّة والهنديَّة... إلى ذكر هذا العِلم في الفكر الروسيِّ وتطوُّره في أوروبّا تحت مظلّة الكنيسة وعن يد عدد من قدِّيسيها، من مثل توما الأكوينيِّ والقدِّيس أوغسطينُس.

يتطلع كحَّالة في مؤلَّف لاحق إلى التفصيل في عِلم الجَمال عند العرب والمسلمين خصوصاً، مضيفاً إلى قائمته الجاحظ، والصوليّ، وابن قتيبة، والكنديّ، وابن رشد، وابن طفيل، وابن الحزم، وابن باجة، والجيليّ، وابن الفارض... وسواهم ممَّن فاتهم الذكر، وموضحاً اختلاف مفهوم الجَمال بين الشرق والغرب على اتفاق تأثيره في الارتقاء بالمجتمعات.

مؤلفات فلسفية

د. جوزف كحَّالة من مواليد حلب العام 1958. أتمَّ دراسته بين حلب، ولبنان، وإيطاليا، وفرنسا (باريس)، التي يُقيم فيها منذ العام 1984. تخصَّص في الفلسفة العربيَّة المسيحيَّة في العصر الذهبيِّ للإسلام، وفي فلسفة التصوُّف الإسلاميّ، وفي تاريخ الكنيسة المَلَكيَّة الأنطاكيَّة. له كثير من المؤلَّفات باللغتين الفرنسيَّة والعربيَّة، ومقالات ودراسات منشورة في مجلاَّت عربيَّة وعالميَّة.