إن مقومات القوة الإيرانية يجب أن تقابلها مقومات القوة لدول الخليج العربية، فمقومات القوة الإيرانية تقوم على الجغرافيا، وتنوع الموارد الطبيعية، والدولة الثيوقراطية المذهبية والقوة العسكرية وضعف الجيران، وفي المقابل دول الخليج العربية تفتقد إلى مقومات القوة في الإمكان بناؤها إذا توافرت الإرادة والإدارة السليمة. المسألة ليست بتوافر الأموال، ولا بارتفاع أسعار النفط، على دول الخليج العربية أن توفر مقومات القوة الأساسية باتحادها ومحاربة الفساد جدياً، ومعالجة الخلل في التركيبة السكانية، والاهتمام باستقرار اليمن والعراق، والاهتمام باستثمارات عائدات النفط لتكون مورداً موازياً لدخل النفط، بعد ذلك تبدأ التنمية الحقيقية على مستوى القطر والدولة الاتحادية، وعلينا أن ندرك أن إيران ستبقى قوة إقليمية حتى لو سقطت دولة الولي الفقيه (الدينية)، من هنا لابد من التفكير الجدي لبناء الكيان الموازي على الضفة الأخرى للخليج العربي.
إن دولنا تشكو من مشكلات هيكلية أساسية، فهي تصرف المليارات على شراء الأسلحة، ولا تملك القوة البشرية المناسبة لذلك، وتصرف المليارات على الحياة الاستهلاكية، وهبات الدولة الريعية بدون إنتاجية حقيقية عن طريق بناء (طبقة البطالة المقنعة الجديدة) والهدر في المال خلق فساداً طال مجالات العلم والثقافة، فهناك شراء للشهادات العلمية المزورة، وهناك تعيينات بالباراشوت في مناصب ثقافية مهمة، وهناك عدم محاسبة الفاسدين، ويتساوى في ذلك بعض المواطنين مع بعض الوافدين. إن الدولة القطرية الصغيرة في الخليج العربي تدخل مرحلة جديدة، لا بل تدخل امتحاناً لابد أن تجتازه، وفي الإمكان تحقيق ذلك. مرة أخرى نؤكد أهمية توافر الإرادة والإدارة السليمة، ونعرف مسبقاً صعوبة تحقيق ذلك، لكنه بكل تأكيد ليس مستحيلاً، وينبغي التواضع والتنازل عن بعض امتيازاتنا من أجل الأهداف الكبرى لبناء مقومات القوة الحقيقية بنظرة استراتيجية، وهذه فرصة تاريخية يجب استغلالها، والفرص التاريخية تأتي مرة كل مئة سنة أو أكثر. لكن السؤال لماذا المقارنة بإيران؟ لأنها القوة الإقليمية التي تهدد دول المنطقة، وتعلن أطماعها، ولا تبادر إلى حل المشكلات بينها وبين دول الخليج العربية، وآن الآوان لنفكر استراتيجياً بمقومات القوة الحقيقية التي تفتقدها.
مقالات
دول الخليج العربية... نظرة استراتيجية
31-10-2018